الرئيسية مقالات ~ بريق الوهم في زمن الاستهلاك ~

~ بريق الوهم في زمن الاستهلاك ~

64
0

 

د/عبدالرحمن محمد حكمي 

في زمنٍ تكسّرت فيه المعايير الحقيقية وتراخت فيه أواصر الثقافة والفِكر، *أصبحت الشهرة أشبه بزهرة اصطناعية تتلألأ من بعيد، لكن بلا عطر ولا حياة.*
صار *المشاهير،* في كثير من الأحيان، كدمى خشبية تحركها الخيوط الخفية للترند والضجة، يقتاتون على فتات الانتباه ويبيعون الوهم لمن يبحث عن نجاةٍ من رتابة يومه.

*لم يعد التميز يتطلب موهبة حقيقية أو فكرة ناضجة؛ بل تكفي رقصة طائشة أو جملة مثيرة للجدل ليصبح الفرد نجماً تتهافت عليه الإعلانات والفرص.*
هكذا تتحول الشهرة إلى بضاعة تُعرض في سوق مفتوح، حيث الجمهور، المخدوع ببريق الكاميرات، يتهافت دون أن يسأل عن الجوهر أو القيمة.

أصبح بعض المشاهير كالأيقونات الباهتة، يجوبون منصات التواصل بأصوات مرتفعة وكلمات خاوية، يقدمون محتوى سريع الزوال، كفقاعات تتلاشى في الهواء. يجمعون المال كما تجمع الرياح أوراق الشجر في فصل الخريف، دون أن يتركوا أثرًا في الوعي أو إضافة في المعنى.

*لكن لماذا ينجح هؤلاء رغم افتقارهم لأي عمق؟* لأن الشهرة في عصر السرعة لا تحتاج إلى غوص في بحر المعرفة، بل إلى سطحٍ لامع يخطف الأبصار للحظات. يتعطش البعض للترفيه السريع، يركضون خلف الضحكة العابرة، *غير مبالين بالعقول التي تسقط في دوامة التفاهة.*

لكن الأدهى من ذلك أن هذه الظاهرة لا تقتصر على التسلية؛ *بل تحمل في طياتها تأثيرًا سلبيًا على وعي المجتمعات. يُقدَّم المحتوى الفارغ كوجبة سريعة للإلهاء، مما يُضعف القدرة على التمييز بين الفكرة الجادة والثرثرة الباهتة.*

ورغم كل هذا البريق الزائف، لا تزال جذور الوعي موجودة. *يحتاج المجتمع إلى يقظة فكرية، تحارب الاستهلاك الفكري بنفس الشغف الذي يُتابع به “الترند”. علينا أن ندرك أن الأضواء التي تسطع بلا معنى تترك في النهاية ظلامًا فكريًا كثيفًا.*

في مواجهة هذا المد الجارف، يحتاج المرء إلى فطنة تجعله يميز بين الجوهرة والحصى، بين من يضيف إلى الوعي ومن يستهلكه. فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل مشهور نجمًا حقيقيًا.
*يبقى التحدي في أن ننفض الغبار عن العقول ونبحث عن النور في عمق الفكر لا في وهج الشاشات.*

_____________