الرئيسية محلية “أنهارٌ في الصحراء: أعظم ملحمة مائية في تاريخ الحجاج”

“أنهارٌ في الصحراء: أعظم ملحمة مائية في تاريخ الحجاج”

84
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

في موسم الحج، لا يقتصر التحدي على تنظيم الحشود وتيسير الشعائر، بل يمتد ليشمل معركة صامتة يخوضها البُناة والمهندسون، لضمان بقاء قطرة الماء في يد كل حاج، على مدار الساعة، في صيفٍ قد يتجاوز فيه لهيب الشمس الخمسين مئوية. ولعل من أعظم ما لا يعرفه كثيرون هو أن المملكة العربية السعودية تُدير في كل حج أضخم شبكة لوجستية مائية في العالم، تُضاهي في ضخامتها جريان الأنهار.

مياه تفوق أنهاراً

لك أن تتخيل أن كمية المياه التي تُضخ يومياً في المشاعر المقدسة (منى، عرفات، مزدلفة) تتجاوز 2 مليون متر مكعب في ذروة أيام الحج، وهي كمية تفوق جريان بعض الأنهار العربية الكبرى مثل نهر الأردن (الذي يبلغ متوسط تدفقه أقل من 500 ألف متر مكعب يومياً).

بمعنى آخر، ما يُضخ في صحراء مكة للحجيج يفوق جريان أربعة أنهار يوميًا!

أطول شبكة في موسمٍ مؤقت

يبلغ طول الشبكة الدائمة والطارئة التي تمد الحجيج بالمياه أكثر من 7,000 كيلومتر من الأنابيب والخزانات والأفرع، تنقل المياه من مصادرها في محطات التحلية على البحر الأحمر (كمحطة الشعيبة العملاقة) إلى مكة، ومنها إلى أدق نقطة في مشعر، أو حمام عام، أو صنابير الشرب المتوزعة بكل شبر من طريق الحجيج.

تحلية بحر لخدمة الضيف

تُنتج محطة الشعيبة وحدها أكثر من 1,500,000 متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة، وتوجه النسبة الأكبر منها للحرمين والمشاعر في مواسم الذروة، مما يجعل من هذه المشاريع أكبر جسر مائي صناعي عرفه التاريخ الحديث لخدمة عبادة دينية.

احتياطي استراتيجي يفوق الخيال

أنشأت الحكومة السعودية كذلك خزانات استراتيجية ضخمة في مكة والمشاعر، بعضها تحت الأرض وأخرى في ارتفاعات جبلية، تضمن استمرار تدفق المياه حتى في حال الطوارئ. ويُقدّر مجموع الطاقة التخزينية لتلك الخزانات بأكثر من 2 مليون متر مكعب، تُدار بنظام مراقبة وتحكم إلكتروني على مدار الساعة.

أرقام تبهت العقول

120,000 صنبور مياه شرب في المشاعر والمرافق العامة.

أكثر من 40 محطة توزيع متنقلة للمياه تُستخدم في حالات الضغط القصوى.

خطة صيانة وتشغيل ضخمة تبدأ قبل أشهر من الحج، بمشاركة آلاف الفنيين من شركة المياه الوطنية والجهات الحكومية.

تطبيقات ذكية لرصد أي تسرب أو انقطاع فور حدوثه وإعادة الضخ تلقائيًا خلال دقائق.

خدمة لا تُرى… لكنها تحيي

رغم أن الحاج لا يرى سوى قارورة زمزم المبردة أو نافورة ماء باردة بجانبه، إلا أن خلفها جيش من البشر وتقنية، وخطط تتجدد سنويًا، ومليارات الريالات التي تُنفق في سبيل توفير الماء النقي كأنه “يتفجر من الحجر”.

في الختام

في موسم تتجه فيه أنظار العالم إلى مشهد الطواف والسعي، ثمة قصة عظيمة تسير تحت الأرض، تُكتب بالماء، وتُروى بالولاء، وتنثرها السعودية كل عام على طريق الحجاج، لتبرهن أن من سقى الحاج، سقى الله قلبه من النور.

وهكذا، لا غرابة أن تُلقب السعودية بحق بأنها: “أمارة الماء في صحراء المشاعر”.