حاوره سليمان قاصد :
قبل التهنئة بجائزة رئيس الجمهورية وسلسلة التتويجات التي تلتها وكانت قبلها هل تسمح لي مناداتك بمهدهد الشعر على وزن المهلهل كونك تحب المغامرة بالكتابة وقلت ما لم يقله الهدهد؟
- سمّني كما يحلو لك صديقي الشاعر البهي سليمان قاصد، أتشرف كثيرا بمحاورتك، أما بخصوص المغامرة في الشعر فهي تجربة ماتعة جدا أن تحاول كتابة تلك القصيدة التي مازلتَ تُلاحقها ولم تكتبها بعد.
نبارك لك هذا التتويج الاخ سليم والذي أراك الأجدر به ماشعورك وانت تستلم الجائزة وما تأثيرها النفسي في وسط الشعراء الشباب وانت واحد منهم ؟
- والله لا أخفي عنك سعادتي كأي شاعر شاب جزائري ينال ما نلتُهُ، وأكادُ أخفيها! أما بالنسبة للجانب النفسي فإن مثل هذه الجوائز تشجّع الشاعر الشاب على التعاطي أكثر مع مادة الشعر الدسمة، وتسريع وتيرة الإنتاج لديه، وصقل الموهبة أكثر، وبذلك يحصّل جودة أفضل في ما يدرّه من قصائد لإنعاش تجربته.
البيئة التي نشئ فيها محمد سليم حسب اللسانيات هي من المناطق التي لاتزال تتحدث بلسان عربي فصيح هل كان لهذا تأثير في كتاباتك؟
- بكل تأكيد، نظمتُ الشعر لأول مرة في سن الثالثة عشرة وكنتُ أسكن في مدينة اميه ونسة بولاية الوادي حيث أخذ بيدي أستاذ اللغة العربية آنذاك في الطور الثالث من المتوسط الأستاذ الشاعر بشير زلاصي حفظه الله، وكانت آخر سنة لي في الوادي قبل الانتقال مع العائلة إلى مسقط رأسي الأغواط لأكمل مسيرتي في الشعر في مدينة سيدي مخلوف، عندما أقول الوادي ثم الأغواط فأنا أتحدث عن مدينتي العلم والشعر، فيكفي قباب الوادي علماؤها، ويكفي تراب الأغواط شعراؤها، ولا أخفي عنك تجربتي في الشعر الملحون التي كان لها أثر كبير في مستوى شعري الفصيح أيضا، فأنا ممن يؤمن بفحولة شاعر الملحون ويكفر بفحولة شاعر الفصحى في هذا العصر.
ماهي الثمار التي جنيتها من تجربة أمير الشعراء ؟
- تأهلت إلى مسابقة أمير الشعراء مرتين في الموسمين الأخيرين، فحالت الظروف دون حضوري المسابقة في الموسم الأول، والحمد لله حضرت الثاني، فكانت من أقوى التجارب الشعرية في مسيرتي، إذ التقيتُ هناك شعراء كثر من بلاد العرب، أغلبهم كانوا أصدقاء مواقع، حتى التقينا في الواقع، واحتكاكي بهم في مدينة أبو ظبي ظهر جليا في قصائدي التي كتبتها بعد الرجوع من هناك، برنامج أمير الشعراء هو فرصة جميلة لكل شاعر عربي، كيف لا وهي أكبر مسابقة عالمية في الشعر.
لماذا نحن كقراء نسوق للشعر المشرقي اكثر مما نسوق للشعر المغرب العربي رغم أننا نمتلك مواهب لها ان تتصدر المشهد الأدبي ؟
- لا أوافقك في هذه الملاحظة، ربما تقصد الأجيال السابقة، لكن جيل الناشئة يتابعون شعراء الجزائر أكثر من شعراء المشرق، وقد أجرينا -نحن شعراء مدرسة عكاظ- سبرا للآراء من قريب وكانت هذه هي النتيجة، لا أدري ربما الجيل الذي سبقنا لم يجذب قرائحنا نحن لهذا اهتممنا بشعراء المشرق أكثر من شعراء بلدنا من الجيل الشي سبقنا، لكن جيلنا ولله الحمد استطاع كسر القاعدة فجذب الجيل الذي يليه من القراء ليقرؤوا له أكثر مما يقرؤون لشعراء المشرق، وخلاصة هذا القول أن مفهوم القريب والبعيد انكسر أمام ثورة مواقع التواصل، فلا معنى للمسافة والحدود فيه اليوم، فالقارئ يستطيع الوصول إلى المادة التي ينشدها حيثما كانت في بلده أو في أقصى الأرض، لهذا ربما بقيَ عند جيل الناشئة معيار واحد للفرز وهو “الجودة”.
قصيدة ما لم يقله الهدهد احكي للقارئ عنها ؟
- أترك لك صديقي وأخي الشاعر سليمان قاصد فرصة قراءة القصيدة والتعليق عنها، وهذا يشرّفني جدا ويسعدني
قصيدة “ما لمْ يَقُلْهُ الهُدْهُدُ” …
يــا صـاحِـبَيَّ أذِيـعَا فـي الـوَرَى نَـبَئِي
و لْـتُـخْبِرَاهُمْ بِـفَـحْوَى ضُــرِّيَ الـخَبِئِ
فَــمُـذْ بُـعِـثْـتُ نَـبِـيـئًا لَــمْ أزَلْ وَجِــلًا
مِــنَ الـرِّسَـالةِ، شـاءَتْـنِي و لـــمْ أشَــإ
يــا نـخـلةَ الـعُمْرِ هَـيَّا اسَّـاقَطِي رُطَـبًا
مِــنَ الـحـنانِ عَـلـى مِـحـرابِيَ الـهَـرِئِ
و أوْزِعِــيــنِــي عَــراجِـيـنًـا مُــجَــدَّلَـةً
لَـعَـلَّـنِي أبْــتَـرِي سَـيْـفًـا مِـــنَ الـصَّـدَإِ
فـما بَـكَتْنِي سـماءُ الـوَجْدِ حَـيْثُ أَرَى
إلَّا لأرْفَــــعَ فــــي الـعَـلْـيـاءِ مُـبْـتَـدَئِي
أَذْكَيْتُ حُزْنِي فيا أخْتُ اجْمَعِي حَطَبًا
و لْـتَـسْتَزِيدِي فـحُـزْنِي غَـيرُ مُـنْطَفِئِ
عَـكَفْتُ فـي (يَـثْرِبي) كَـيْ لا أُجَادِلَهُمْ
حَـتَّـى أتـانِي نَـذِيرُ الـطَّيْرِ مِـنْ (سَـبَإِ)
أقــامَ مـا بـينَ جَـنْبَيَّ الأسَـى، و بَـكَى
فـقـلتُ : لـيتَكَ يـا مَـرْسولُ لَـمْ تَـجِئِ
شــربـتُ مِــنْ عَـلْـقَمِ الأخْـبَـارِ بَـوْتَـقَةً
حَـرَّى فـما زادَنِـي شُـرْبِي سِـوَى ظَـمَإِ
يـا هُـدْهُدَ النُّورِ شَابَ الرِّمْشُ مُكْتَحِلًا
بِــمِـرْوَدٍ أحْــبَـلَ الــرُّؤْيَـا و لَــمْ يَـــطَـإ
فـارْجِـعْ لِـحَـيْثُ أُمِــرْتَ الآنَ مُـنْـصَلِتًا
و خَــبِّـرِ الــقَـوْمَ عَــنّـي دُونَــمَـا وَمَـئِ
فَـلِي عَـصًا تَفْرُقُ البَحْرَيْنِ إنْ غَضِبَتْ
و تَـقْـصِمُ الـظَّهْرَ إنْ شُـدَّتْ عَـنْ الـمَلَإِ
يــا سَـامِـرِيًّا قَـبَـضْتَ الـجَهْلَ مِـنْ أَثَـرٍ
نَــبَــذْتَـهُ فــأقَــمْـتَ الــعِـجْـلَ بــالـكَـلَإ
تَـسْـتَعْبِدُ الـنّـاسَ مِــنْ جَـهْلٍ تَـمَزَّعَهُمْ
رَبًّـا لَـهُمْ، هَـلْ تُـرَى بـالشِّركِ لمْ تَبُـؤِ!؟
عَـاثَتْ دِمَـاؤُكَ فـي الأنْـسَالِ مُذْ أَفَلَتْ
شَـمْسِي، و ظِـلُّكَ لَـوْ أشْرَقْتُ لَمْ يَفِئِ
فـي حَـضْرَتِي لا يَـفِيئُ الـظِّلُّ مُـنْهَزِمًا
لِـيَ الـمَشَارِقُ مِنْ طِينِي و مِنْ حَمَئِي
غَـرَسْـتُ مِـنْسَأَتِي فـي الأرْضِ مُـتَّكِئًا
فـليسَ عِـنْدِي الذي يَقْوَى عَلى الخَطَإ
و أُخْـــرِجُ الــكَـفَّ بـيْـضـاءً لِـنَـاظِـرِهَا
و أُبْـــرِئُ الـــدَّاءَ مِــنْ بَــادٍ و مُـخْـتَبِئِ
حِــمَـايَ طُــهْـرٌ و أمْــنٌ لِـلَّـذِينَ غَــوُوا
و مَــنْ يُـكَـفِّرُ بِــي ذَنْـبًا كَ(لَـمْ يُـسِئِ)
و مَــــنْ يَــفِـرُّ إلَـــيَّ الــيـوْمَ مُـلْـتَـجِئًا
يَــجِـدْ هُـــدَاهُ فــإنِّـي خَــيْـرُ مُـلْـتَجَئِ
نُـبُـوءَتِي أنْ أُقـيـمَ الـشِّـعْرَ فـي حَـرَمٍ
و لـو هَـلَكْتُ فـقولوا “نِـضْوُ مُـجْتَرِئِ







