الرئيسية مقالات المداخلة: سلالة خولانية في أرض جازان، ومنهم ربيع السنّة ودرع العقيدة

المداخلة: سلالة خولانية في أرض جازان، ومنهم ربيع السنّة ودرع العقيدة

1137
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

على ضفاف التاريخ، وبين جبال تهامة وسهول جازان، تقف قبيلة المداخلة شامخة كشموخ الجبال، لا تلتفت لصخب الألقاب ولا تلهث خلف الأنساب المُتصنَّعة، بل تحمل في طياتها نَسَبًا عربيًا قحطانيًا أصيلًا، وسِجلًا مشرفًا من الكرم والورع والعلم. ومن هذه القبيلة، بزغ نجم عظيم، صوته نقي كالوحي، ومنهجه صلب كالحق، وعقله يقظ كعيون الحرس في الفتن، إنه الشيخ ربيع بن هادي بن عمير المدخلي، الذي سُمي لاحقًا بـ”حامي حمى السنة” و”مُحطم رؤوس البدع”.

أولًا: نسب قبيلة المداخلة

ينتمي المداخلة إلى قبيلة بني شبيل، وهي من خولان العالية، إحدى أشهر بطون خولان بن عمرو بن الحافي بن قضاعة، وقضاعة إحدى قبائل العرب القحطانية العريقة. وهذا النسب موثّق في مصادر أنساب تهامة والجزيرة العربية، ومروي من أفواه الآباء للأبناء على مدى قرون.

المداخلة ← بني شبيل ← خولان العالية ← خولان بن عمرو ← قضاعة ← العرب القحطانية

موطن قبيلة المداخلة:

تنتشر في محافظة صامطة بشكل رئيسي، وخاصة في قرى مثل:

الجمعة الدريعية المجنة الخارش الركوبة الجرادية

وبعض أفراد القبيلة انتقلوا إلى مناطق أخرى في السعودية، وكذلك بعضهم في اليمن.

وقد حافظت القبيلة على هويتها العربية، وارتبطت بالأرض والدين والعلم، فكان أبناؤها مثالًا في التواضع والوفاء، وكانوا حاضرِين بقوة في التعليم والقضاء والدعوة، ومن أبرزهم الشيخ ربيع المدخلي.

ثانيًا: نبذة تاريخية عن الشيخ ربيع المدخلي

ولد الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي في قرية الجمعة التابعة لمحافظة صامطة في منطقة جازان، عام 1932م تقريبًا (1351هـ). نشأ في بيت فقير، ولكن مليء بالإيمان وحبّ العلم، فبدأ في حفظ القرآن الكريم صغيرًا، ثم التحق بالمعاهد العلمية، حتى قاده الشغف إلى رحاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

مسيرته العلمية:

التحق بالجامعة الإسلامية في أول دفعة تأسيسها عام 1381هـ، وتتلمذ على أيدي كبار العلماء، منهم:

الشيخ عبد العزيز بن باز

الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

الشيخ حمود التويجري

الشيخ عبد الرزاق عفيفي

حصل على البكالوريوس، ثم الماجستير، ثم الدكتوراه في السنة وعلومها، وعمل أستاذًا في الجامعة الإسلامية ثم في كلية الحديث، حيث درّس أجيالًا من طلاب العلم.

تولى قسم السنة بالجامعة، وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وكان صاحب منهج دقيق في النقد الحديثي والجرح والتعديل.

ثالثًا: جهوده في الذب عن السنة

الشيخ ربيع المدخلي لم يكن مجرد أستاذ جامعي، بل تحوّل إلى صوت نقي للدفاع عن منهج السلف، وكرّس حياته في فضح الفرق الضالة، والرد على أهل الأهواء من الحداثيين، والقطبيين، والتكفيريين، والحزبيين.

من أشهر كتبه:

منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

الحد الأدنى الذي يجب على المسلم معرفته من العقيدة

ردود على سيد قطب

أهل الحديث هم الفرقة الناجية

كما اشتهر بعباراته الحاسمة مثل:

“الميزان في الدين هو الكتاب والسنة، لا العاطفة، ولا الحزبية، ولا الشعارات.”

رابعًا: محاولات الطعن والتشويه

بسبب منهجه الصريح، تكالبت عليه بعض التيارات الإسلامية التي تتلون بالشعارات، وتُخفي انحرافاتها تحت ستار الحماسة. فاتهموه بالتشدد، وبالخضوع للسلطة، وحاولوا تصويره كأداة سياسية، ولكن التاريخ والعلماء المنصفين شهدوا له بالعدل، والنزاهة، والحرص على حماية الدين من الابتداع والتسيب.

ومن أبرز من دافع عنه من العلماء:

الشيخ عبد العزيز بن باز (الذي زكّاه أكثر من مرة)

الشيخ الألباني (الذي لقّبه بـ”حامل راية الجرح والتعديل في العصر الحديث”)

الشيخ ابن عثيمين (الذي وصفه بصاحب منهج سلفي رصين)

خامسًا: دروس من حياته

الشيخ ربيع يمثل نموذجًا للعالِم الذي لا يلتفت للدنيا، فقد عاش متواضعًا، لا يملك السيارات الفارهة ولا يسكن القصور، بل يسكن بيتًا متواضعًا ويعيش حياة بسيطة، ويقضي جلّ وقته بين الكتب، والردود العلمية، والجلوس مع طلابه.

ومع تقدمه في السن، لا يزال يُدرّس، ويُناظر، ويُصنّف، ويُنكر المنكر، ويثبّت القلوب على العقيدة النقيّة.

خلاصة المقال:

قبيلة المداخلة ليست فقط سلالة خولانية ضاربة في التاريخ، بل أنجبت رجالًا من معدن نادر، وعلى رأسهم الشيخ ربيع المدخلي، الذي رفع راية السنة، ودافع عن التوحيد، وأحيا في الأمة روح الجرح والتعديل، في زمن اختلط فيه الحق بالباطل.

ويبقى ربيع المدخلي، في عيون المنصفين، حارس المنهج، وفارس الحديث، وعلم من أعلام الدعوة السلفية في القرن الخامس عشر الهجري.