بقلم: أحمد علي بكري
يمثل مسجد السادة في بندر جازان منارة تاريخية ودينية عريقة، ترتبط جذوره بالشيخ الشريف صفي الدين أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الزيلعي العقيلي، المعروف بـ”صاحب المسواك”، أحد أبرز أعلام الدعوة والتوحيد في تهامة وجزر فرسان. واستمر المسجد عبر القرون ملتقى للعلم والعقيدة، بقيادة أسرة آل بكري التي ظلت تحرسه وتنهض به بكل إخلاص.
النسب الشريف وصاحب المسواك
ينتمي الشيخ صفي الدين الزيلعي العقيلي إلى الأشراف العقيليين، من نسل عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، كما توثق كتب الأنساب المعتبرة مثل الدرر السنية في الأنساب الحسنية والعقد الفريد في نسب الحسيب التليد. ويظهر في الوثائق النسبية:
“السيد الشريف العلامة صفي الدين أبي العباس أحمد بن عمر الزيلعي … من عقبه ذرية صاحب المسواك أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن السيد الشريف العلامة صفي الدين العقيلي الهاشمي. موطنهم جازان وجزر فرسان.”
وهذا يبرز الأصول الهاشمية العريقة للشيخ ودوره الديني والاجتماعي في المنطقة.
مسجد السادة: تأسيس واستمرارية
تأسيس المسجد
أسس الشيخ صفي الدين المسجد في نهايات القرن التاسع الهجري، وأوصى به كوقف علمي وديني يخدم أهل بندر جازان والتجار والبحارة، فكان المسجد مركزًا لتعليم الدين ونشر التوحيد، مناهضًا للبدع والانحرافات.
آل بكري: حفظة المسجد والرسالة
عبر الأجيال، بقي المسجد تحت رعاية أحفاد الشيخ ابو بكر بن احمد بن عمر الزيلعي العقيلي (بكري)، ومن أبرزهم:
الشيخ أحمد علي بكري، الذي خدم كمؤذن دائم للمسجد حتى وفاته، وكان رمزًا للوفاء والدعوة، يتمتع بمكانة كبيرة بين أبناء المجتمع، حافظًا على أذان المسجد بانتظام ولم يتوانَ في خدمة المسجد طوال حياته.
الشيخ حمود علي بكري، أخوه، الذي تقلد إمامة وخطابة المسجد ، وكان معروفًا بعلمه وورعه، وقد ورد ذكره في سجلات العلماء كأحد كتاب الشيخ محمد بن صالح القرعاوي، من كبار العلماء في السعودية، ما يعكس مكانته العلمية والفقهية، وعلاقته الوثيقة بالأقطاب العلمية في المملكة.
كان كل من الشيخ أحمد والشيخ حمود من المناهضين لجميع المظاهر البدعية التي كانت تنتشر قديمًا في المنطقة، مثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وموائد شعبان، وغيرها من مظاهر التصوف التي تخالف منهج الكتاب والسنة. وهذا يدل بوضوح على أنهم ورثوا هذا الموقف الثابت من أجدادهم الذين سبقوهم في الدعوة الصافية والتوحيد النقي. ونحن بدورنا، أحفادهم، متمسكون بأهلنا الذين تعلمنا منهم، حريصين على الاستمرار في حفظ هذا المنهج والرسالة التي تم نقلها أجيالًا.
وكلاهما ايضا اشتغل بالتجاره خصوصا التجاره البحريه بين جازان والموانئ سواء في افريقيا او اليمن او حتى البصره بالعراق وموانئ الهند
مسجد السادة في كتب الرحالة والمؤرخين
الإدريسي ووصف تهامة وبندر جازان
في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وصف الإدريسي بندر جازان كأحد الموانئ الحيوية في تهامة، مشيرًا إلى أهميته التجارية والدينية:
“ومن موانئ تهامة المهمة بندر جازان، ملتقى للطرق البحرية والتجارية، مرتبط بمدن زبيد وعدن، ويحتضن الأسواق والورش التي تخدم حركة الملاحة.”
وكان المسجد جزءًا من هذا النسيج الحضري والديني، مستقطبًا سكان المدينة والبحارة في مناسباتهم الدينية والتعليمية.
المراجع والرحالة الحديثون
أشار الرحالة البريطانيون في القرن العشرين، ومنهم جون فيلبي، إلى المسجد ومبانيه التي تحمل الطابع اليمني التهامي، مؤكّدين على الدور العلمي والدعوي الذي لعبه في مجتمع جازان.
دعوة للحفاظ على الإرث
مع ما يحمله المسجد من إرث ديني وتاريخي عريق، نوجه نداءً رسميًا:
إلى وزارة الشؤون الإسلامية والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لتوثيق المسجد وإدراجه في سجل التراث الوطني.
إلى المختصين لترميم المسجد والحفاظ على طرازه المعماري التهامي.
إلى المجتمع المحلي والعائلات المشرفة على المسجد لمواصلة العناية به ونقل سيرته وذكر علماءه للأجيال.
خاتمة
يبقى مسجد السادة في جازان منارة علم ودعوة، تحمل في طياتها أسماء مكرمة من العلماء والدعاة، على رأسهم جدكم الشيخ أحمد علي بكري المؤذن، وأخيه الشيخ حمود علي بكري الإمام والخطيب، الذين جسدوا روح الخدمة والتفاني.
وذلك كله ضمن مسيرة دعوية امتدت لأكثر من خمسمائة عام منذ عهد صاحب المسواك، الشيخ الشريف صفي الدين الزيلعي العقيلي، ليظل المسجد صرحًا دينيًا حضاريًا يستحق أن يُحفظ ويُكرم.






