الرئيسية مقالات قراءة وتأمل في مقال أعاد لي ذكريات الطفولة وأيقظ في داخلي حنينًا...

قراءة وتأمل في مقال أعاد لي ذكريات الطفولة وأيقظ في داخلي حنينًا لحياة كانت تُصنع على “السُفرة”

227
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

قرأت هذا المقال الجميل الذي يتناول ظاهرة اختفاء السُفرة العائلية تدريجيًا من بيوتنا، وتأثرت كثيرًا بما حمله من مشاعر صادقة وتحليل دقيق لتحول نمط الحياة الأسرية في مجتمعاتنا. أعجبني الطرح لما فيه من حنين أصيل وحسٍّ تربوي عميق، وشعرت بأن عليّ أن أعلّق عليه بكلماتي المتواضعة، مستذكرًا كيف كانت السُفرة أكثر من مجرد مكان لتناول الطعام… كانت مائدة يومية للدفء، والانضباط، والتربية، والمشاركة.

نعم، السُفرة في طريقها للانقراض، ليس بسبب الفقر أو الحرب، بل بسبب تآكل العادات الجميلة تحت وقع الميديا، والانعزال، و”موضة” الحياة السريعة التي أبعدتنا عن بعضنا البعض ونحن تحت سقف واحد.

عبارات مثل:

“أفرشوا السفرة… الأكل على السفرة… شيلوا السفرة”

كانت تشكّل أناشيد يومية في بيوتنا، وعلامات زمن جميل لا ينسى. لم تكن مجرد أوامر، بل كانت نداءات للُّمّة، لقلوب تتقابل، لأرواح تتلاقى وتتنفس دفء الأسرة.

اليوم، تجد العشاء قد تبخر لأجل “الريجيم”، والفطور انسحب بسبب “الصيام المتقطع”، والغداء توزع في صحون مفردة يسخنها كل فرد حين يشاء ويأكل بصمت… وغابت البركة.

كنت أسترجع كيف كانت السُفرة مجلسًا عائليًا تُروى فيه القصص، وتُعلَّم فيه الأخلاق، وتُعقد فيه جلسات المحاكمة الطفولية، حيث يكون الوالد القاضي، والأم الادعاء، والأشقاء شهودًا، والحكم غالبًا “موقوف التنفيذ” ما لم يتكرر الجرم!

غابت تلك المحكمة الجميلة، وغاب رموزها… الوالدان، بكل ما حملاه من حنان وعدل وهيبة. واليوم، تفرّق الإخوة، وباتت السُفرة طاولة في زاوية المطبخ، أو في أحسن الأحوال طاولة يُستخدم نصفها للتابلت والهواتف، والنصف الآخر للأكل البارد.

إن الحفاظ على السُفرة ليس ترفًا، بل هو حماية لمفهوم العائلة. فهي ليست مجرد “مفرش وطعام”، بل هي لحظة جمع، وركن بناء، وشعور بالانتماء والدفء.

السُفرة حوار.

السُفرة تربية.

السُفرة ضحك، دعاء، ومكان لبداية كل نجاح.

فإن كانت العائلة خلية المجتمع، فالسُفرة هي قلبها النابض.

لنُعيد للسُفرة مكانتها، فقد تكون طوق النجاة في زمن تتسارع فيه خطوات التفكك، وتذبل فيه الروابط دون أن نشعر.