بقلم: أحمد علي بكري
في خضم التفاعل اليومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نُشاهد أحيانًا مقاطع ساخرة تحمل في طياتها نقدًا لواقع مؤلم، وهذا ما حصل عندما نشرتُ مؤخرًا مقطعًا ساخرًا عبر “سناب شات”، يظهر فيه رجل بوجه مصاب مستخدمًا فلترًا رقميًا يُحاكي الرضوض، متحدثًا بسخرية قائلاً: “إذا كنت تبحث عن خدمات الضرب المجانية – بل المدفوعة الثمن – فما عليك سوى زيارة تركيا!”، في إشارة واضحة إلى تزايد حوادث الاعتداء على السُّياح الخليجيين عمومًا، والسعوديين على وجه الخصوص، في عدد من المدن التركية.
غير أن المفارقة المزعجة، والتي تستحق الوقوف عندها، لم تكن في طبيعة المقطع أو رسالته الساخرة، بل في ردود الفعل. أحد المتابعين اختار أن يُعلّق قائلًا إن المقطع “غير حقيقي” لأن ما يظهر فيه مجرد فلتر، متجاهلًا السياق والرسالة، بل ومُتغافلًا عن حقيقة مثبتة بشهادات ومقاطع وتقارير إعلامية: هناك اعتداءات فعلية، موثقة ومتكررة، تطال السائح الخليجي في تركيا، وتحديدًا من يُظهر هويته الوطنية أو لغته العربية بوضوح.
إن التعامل مع المقطع من زاوية “الفلتر”، دون التطرق إلى حقيقة أن هناك من يتعرّض فعلاً للضرب والإهانة في بعض المناطق التركية، يُعدّ نوعًا من التسطيح الذهني، بل ويدعو للتساؤل:
هل هذا التجاهل ناجم عن جهل حقيقي بما يحدث؟
أم أنه تعبير غير مباشر عن الانبطاح، والتغاضي عن الواقع لأسباب أيديولوجية أو عاطفية تجاه تركيا؟
الحقيقة أن كثيرًا من السُّياح الخليجيين وقعوا ضحية اعتداءات لفظية وجسدية، وسُجلت حالات نصب واحتيال وتمييز عنصري، دون أن تُقابل هذه الانتهاكات بالإدانة الكافية من بعض الأصوات التي تدّعي الحرص على السياحة أو “الانفتاح الثقافي”. بل على العكس، يُحاول البعض تسويق تركيا وكأنها ما تزال “جنة سياحية آمنة”، متناسين أن مشاعر العداء للعرب، وخاصة للسعوديين، تتنامى في بعض الأوساط التركية، إعلاميًا وشعبيًا.
إن الفيديو – وإن كان ساخرًا – يحمل رسالة عميقة؛ ومضمونه لا يكمن في الفلتر، بل في الحقيقة التي يعكسها. فهل يُعقل أن نُهاجم من يُسلّط الضوء على مشكلةٍ قائمة، ونترك المشكلة نفسها بلا معالجة؟
أمام هذا الواقع، لا بد من دعوة جادة لإعادة النظر في الوجهات السياحية، والتفكير مليًا في كرامة السائح الخليجي قبل التفكير في سعر تذكرة أو جمال الطبيعة. الأمان والاحترام لا يُقاسان بالفلتر، بل بالواقع.
وفي الختام، أقول لمن ركز على “الفلتر” بدلًا من “الفكرة”:
الفلتر يمكن أن يُمسح، أما الإهانة التي يتلقاها السائح هناك، فهي لا تُمحى من الذاكرة.






