الإعلامي/ خضران الزهراني/ الباحة
آهٍ يا قلبي… كم هو موجع هذا الشعور، وكم تثقلني الذكريات كلما تذكرت أن فعاليات قرية الموسى التراثية بمنطقة الباحة قد وصلت إلى نهايتها لهذا العام…
لم تكن مجرّد فعالية عابرة، أو موسمًا يأتي ويذهب…
كانت حياةً كاملة، ومشهدًا نابضًا من أصالة الماضي، وصوتًا عتيقًا من الزمن الجميل،
مكانًا احتضن التراث، وجمع الهوية، وأحيا فينا ما كدنا ننساه.
أنا زهراني، من أبناء زهران.
أحمل في دمي أصالة الجبال، وفي لساني لهجة الوفاء،
وفي قلبي حبٌ لا ينتهي لأرضٍ عشت فيها وترعرعت بين ترابها،
أرضٌ حملت اسمي واسم أجدادي، وتاريخًا أفتخر أن أكون جزءًا منه.
لثلاث سنوات، كنت أتشرف بمسؤولية متحف قرية الموسى التراثية…
أدخل أبوابه كل يوم بشغف، وكأنني أدخل قلب التاريخ،
أقف بين جدرانه لا كمرشد فقط، بل كحارس للذاكرة…
أروي للناس حكايات لم تُكتب في الكتب،
عن القرى التي تنام على السفوح،
عن الليالي التي تُضاء بنور السراج،
عن القلوب التي كانت تفرح بالقليل، وتُكرم بالكثير، وتضحك رغم التعب.
كنت أشرح لهم… وأبكي في داخلي.
أبتسم، لكن قلبي يعرف كم هذه الذكريات غالية.
كل قطعة في المتحف لها حكاية، كل زاوية تختزن عمرًا،
وكل صوتٍ من الزوار، وكل سؤال، وكل نظرة دهشة، كانت تسعدني كما لو أنني أُحيا من جديد.
واليوم…
حين اقتربت نهاية الفعاليات، شعرت وكأنني أُطفئ شمعةً في قلبي،
وكأن القرية تهمس لي بصوتٍ حزين: “هل آن أوان الفراق؟”
كم هو مؤلم أن ترى المكان الذي أحببته يخلو من صوته،
أن ترى المتحف الذي عشت فيه أجمل الأيام وقد هدأ،
أن تُطفأ الأنوار، وتُغلق الأبواب، وتبقى وحدك، تتأمل الصمت الذي خلفه الحنين…
لكني زهراني، من أبناء زهران…
أعرف جيدًا أن الأرض لا تموت، وأن الذاكرة لا تُطفأ،
وأن التراث الذي سكننا لا يمكن أن يغادرنا.
ربما سكتت الفعاليات، لكن الصوت ما يزال في صدري،
وربما خلت الزوايا، لكن صور الأجداد ما زالت على جدران القلب.
سأبقى أفتخر، وأحمل ما رأيته وما رويته في روحي…
سأظل أوفي بالعهد لهذا الإرث، وأروي كل حكاية سمعتها وكل تفصيلةٍ لمستها،
لأنني لا أروي مجرد أشياء… بل أروي نحن، أروي زهران، أروي أرضًا، وهوية، وكرامة لا تنحني.
وداعًا قرية الموسى…
وداعًا يا من كنتِ بيتي، وحكايتي، ومسرح الذكريات،
وداعًا لكل ركنٍ فيك، لكل حجر، لكل ظل، ولكل عطرٍ من الماضي مرّ بين أزقتك.
لكنني لن أنساكِ…
وستبقين حاضرةً في قلبي، ما دام في القلب نبض،
وسنعود ذات يوم، يعود الناس، وتعود الحياة، ويُضاء المتحف من جديد، ويُروى التراث للأجيال، كما كان، وكما يجب أن يكون.







