الرئيسية سياحة مركز الزوار الثقافي بجازان… بوابة الماضي إلى الحاضر ومصدر حي للتاريخ والآثار

مركز الزوار الثقافي بجازان… بوابة الماضي إلى الحاضر ومصدر حي للتاريخ والآثار

497
0

بقلم: أحمد علي بكري

شهد مركز الزوار الثقافي التابع لفرع هيئة التراث بوزارة الثقافة بمنطقة جازان، مؤخرًا زيارة وفد من نادي المرشدين السياحيين بجازان، ضمّ أكثر من 30 مرشدًا سياحيًا من أبرز المرشدين في مختلف محافظات المنطقة، وذلك في إطار تعزيز الشراكات بين الجهات السياحية والثقافية، وتكثيف الجهود الرامية إلى إبراز الموروث التاريخي والآثري العريق الذي تزخر به المنطقة.

وخلال الزيارة، أكد الأستاذ وسام بن ناصر مدير المركز، أن مركز الزوار يسعى لأن يكون منصة متكاملة للتعريف بتاريخ جازان وحضارتها، عبر تجربة ثرية صُمّمت لتواكب أفضل المعايير العالمية، مشددًا على أهمية الجهود التي تبذلها وزارة الثقافة وهيئة التراث في حماية المواقع الأثرية وإدارتها بفعالية، إلى جانب تعزيز الوعي بأهمية الموروث الوطني وحمايته من الاندثار.

جازان.. أرض الحضارات القديمة وآثار ما قبل التاريخ
تعد جازان واحدة من أقدم مناطق الاستيطان البشري في الجزيرة العربية، إذ كشفت الاكتشافات الأثرية عن وجود مواقع تاريخية تعود إلى أزمنة ما قبل التاريخ القديم للبشرية، حيث تم العثور على آثار يعود عمرها إلى أكثر من 250 ألف سنة، مما يدل على أن المنطقة كانت مركزًا حيويًا وجاذبًا للمعيشة منذ أقدم العصور.

ففي جبال فيفا والريث وجبال القهر، عُثر على أدوات حجرية بدائية ورموز صخرية تمثل أنشطة حياتية وصورًا آدمية وحيوانية، تؤكد أن الإنسان القديم اتخذ من هذه الجبال والسهول مأوى له، مستفيدًا من خصوبة الأرض وغزارة المياه واعتدال المناخ.

أبرز الاكتشافات الأثرية في جازان عبر العصور
تشهد منطقة جازان تسلسلاً تاريخيًا فريدًا في مكتشفاتها الأثرية، يعكس عمقها الحضاري منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي المبكر:

آثار ما قبل التاريخ (أكثر من 250 ألف سنة):
تم العثور على أدوات حجرية قديمة جدًا في عدد من المواقع الجبلية، تدل على وجود الإنسان العاقل المبكر في المنطقة، ما يجعلها إحدى أقدم البيئات المأهولة في شبه الجزيرة العربية.

العصور التالية (من 5000 سنة قبل الميلاد):
وُجدت نقوش صخرية لحيوانات الصيد كالوعول والأسود، ورسوم آدمية تُظهر أنشطة الصيد والترحال في جبال الريث والقهر، لتشكل شواهد على حياة الإنسان البدائي واعتماده على البيئة المحيطة به.

العصر الحجري الحديث (3000-2000 ق.م):
ظهرت رسومات صخرية ملونة وغائرة في جبل شقرا وموقع ذو السلع، إلى جانب بقايا مساكن بدائية وقنوات مائية بسيطة، ما يشير إلى بداية التحول نحو الاستقرار الزراعي وتطور أنماط الحياة.

العصر البرونزي والحديدي (2000-800 ق.م):
كشفت النقوش التجارية وطرق القوافل عن ارتباط جازان بمناطق الجزيرة العربية، كما عُثر على لقى فخارية تؤكد ازدهار النشاط التجاري البحري.

العصر السبئي والحميري (800 ق.م – 300 م):
تبرز مواقع أثرية قرب وادي بيش وصبيا، إضافة إلى نقوش بخط المسند الحميري، ما يعكس النفوذ الثقافي لممالك اليمن القديم على المنطقة.

العصر الإسلامي المبكر (القرن الأول إلى الثالث الهجري):
اكتُشفت مساجد أثرية ونقوش قرآنية بالخط الكوفي المبكر، تؤكد الدور الحيوي لجازان كمحطة رئيسية للحجاج والقوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة.

أقسام مركز الزوار الثقافي
يأخذ المركز زائريه في رحلة معرفية شاملة عبر أقسامه المتنوعة:

قسم مواقع الفنون الصخرية بالريث: يعرض نماذج للنقوش والرسوم المكتشفة في جبال الريث والقهر وشقرا.

قسم الاكتشافات والموجودات الأثرية: يضم الأدوات الحجرية واللقى التاريخية المكتشفة في المنطقة.

قسم طرق التجارة والحج: يوضح المسارات التاريخية للقوافل وطرق الحج التي مرت عبر جازان.

قسم التراث الثقافي غير المادي: يبرز الحرف اليدوية، واللهجات، والأهازيج الشعبية، والمواسم الثقافية مثل موسم الحريد والبن الخولاني السعودي.

قسم التراث العمراني: يعرض نماذج العمارة التقليدية والمباني التاريخية بالمنطقة.

شهادات الزوار والمهتمين
أشاد الأستاذ أنور حكمي رئيس نادي المرشدين السياحيين بجازان، بالتجربة المميزة التي يقدمها المركز، مؤكدًا أن:
“مشاركة أكثر من 30 مرشدًا سياحيًا من مختلف محافظات المنطقة في هذه الزيارة يعكس الاهتمام الكبير من المرشدين بالاطلاع على إرث المنطقة، وما وجدناه من تنوع وجمال في تنظيم المركز يضاهي المراكز العالمية المتخصصة في هذا المجال.”

بوابة نحو الماضي والمستقبل
بهذه الجهود، يرسّخ مركز الزوار الثقافي مكانته كنافذة مفتوحة على الماضي، تربط الأجيال بتاريخها العريق، وتبرز المكانة الحضارية لجازان كإحدى أقدم مناطق الاستيطان البشري في الجزيرة العربية، ما يجعلها وجهة بارزة لعشاق الآثار والتاريخ والتراث الثقافي.