بقلم: أحمد علي بكري
كم مرة بذلنا جهدًا صادقًا في نصح من نحب؟ كم مرة أوقفنا وقتنا، وشغلنا بالنا، وفتحنا قلوبنا لنوجههم إلى ما نراه خيرًا لهم، فقط لنفاجأ بنكران الجميل، أو بجفاءٍ يجعلنا نشعر وكأن وجودنا عبء عليهم؟ كم مرة أردنا أن ننقذهم من قرارات خاطئة أو عادات سيئة، لكننا وجدنا أن كلماتنا تُقابل بالتجاهل أو حتى بالنفور؟
هذه المشاعر المؤلمة تجد تفسيرها ودواءها في كتاب الله تعالى، حيث قال سبحانه:
“إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ” [القصص:56].
هذه الآية نزلت في أحب الناس إلى قلب النبي ﷺ، عمه أبي طالب، لتذكّرنا أن الهداية بيد الله وحده، وأن حبنا للآخرين، مهما كان عظيمًا، لا يمنحنا القدرة على فتح قلوبهم لما نراه حقًا.
ويؤكد القرآن هذا المعنى في قوله تعالى:
“لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” [التكوير:28-29].
فهنا تتجلى الحرية الإنسانية مقيدة بمشيئة الله العليا؛ فحتى رغبتنا في الاستقامة لا تتحقق إلا بإذن الله وتوفيقه.
ثم تأتي آية أخرى تحمل لنا قاعدة ذهبية في التعامل مع أنفسنا والآخرين:
“إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” [الرعد:11].
إنها تصرخ بحقيقة واضحة: التغيير يبدأ من الداخل. لا يمكن أن نصنع تغييرًا حقيقيًا في حياة أحد ما لم ينبع ذلك من إرادته وقناعته الشخصية.
يا من أحببتك،
لقد حاولت جاهدًا أن أكون لك سندًا، أن أمد يدي إليك حين تتعثر، أن أضيء لك الطريق حين يشتد الظلام. لم يكن نصحي إلا حبًا، ولم يكن عتابي إلا خوفًا عليك. لكنني اليوم أتعلم أن الهداية ليست بيدي، وأن قلبي مهما امتلأ بحبك لا يستطيع أن يفتح قلبك لما أراه خيرًا لك.
لهذا، سأبقى أحبك وأدعو لك، وأترك قلبك بين يدي الله، فهو أرحم بك مني وأعلم بما في نفسك. وسأكتفي بأن أكون قريبًا حين تحتاج، صامتًا حين ترفض، وداعيًا لك في الغيب حين لا تسمع. فربما يأتي اليوم الذي يلين فيه قلبك، لا بكلماتي، ولكن بلمسة رحمة من الله تهديك الطريق.






