حينما يكون القدر سيد القرار
كانت فتاة هادئه في نظرتها واسلوبها ثائرة في طموحها وتطلعاتها ومبادئها تنتمي لعائلة محافظة تحترم التقاليد !
ولم يخطر ببالها يوماً أن يأتي نصيبها في رجل لم تره أو تعرفه إلا في ليلة الزفاف !
لكنها تقبلت ذلك بناءً على إيمانها الراسخ بحكمة والدها !
ذلك الرجل الذي لطالما رأت فيه نموذجًا للرجل الصادق والمتزن والحكيم ذو النظرة البعيدة ،،
فقررت أن تترك له القرار في اختيار شريك حياتها !
ورغم أن بعض الإشارات لم تكن تطمئنها !
إلا أن حبها لوالدها وثقتها برؤيته جعلها تتقدم نحو هذا الزواج بقلب راضٍ وعيون ناعسة لا تُريد أن ترى !
في ليلة الدخلة التقت به للمرة الأولى كان غريباً عنهاشخصاً لم تعرف كيف تفك طلاسمه ولا كيف تقرأ أفكاره كان غامضاً وكأن بينه وبينها جداراً شفافاً من الخيبة لكنها كانت مفعمة بالأمل تمنت أن تكتشف فيه شيئاً من الحكمة أن تجد فيه ما يعينها على المضي قدماً
خاصةً انها فتاة تؤمن في البحث في اكتشاف الدواخل !
مرت الأيام ولم تكن كما توقعتها لم يكن هو الرجل الذي تمنت بل بدا غارقاً في التعامل مع الجسد لا يتشارك معها أحلاماً أو طموحات أو حتى حوار هادف !
حاولت مراراً أن تستنهض فيه قوة لم تشعر بها !
أن تبني معه جسوراً ليصلان إلى شيء من التفاهم !
و لكن بلا جدوى وتراجعت أحلامها شيئاً فشيئاً.
أنجبت اربع اطفال خلال اقل من ست سنوات !
وبدأت تتصالح مع الواقع اختارت أن تتوقف عند هذا الحد وأن تكتفي بما أنجبت من اجل الكثير من القناعات التي توصلت اليها !
وقررت تحويل دفة حياتها نحو ذاتها لتبني لنفسها حياة تحمل بصمتها الخاصة !
واتخذت قرارها أن تستثمر في طموحاتها المهنية والشخصية وأن وترسم لنفسها مستقبلاً يحررها من قيود هذا الزواج المتداعي !
كانت تعيش على أملين إما أن يتغير زوجها ويصبح شريكاً حقيقياً
أو أن تصل إلى مكان من القوة يكفي لتضع نهاية لهذه العلاقة برفق !
وبينما كانت تقترب من تحقيق ذلك !
فوجئت بضربة من القدر كانت أثقل من كل ما مرّت به !
صفعة في زمن ومكان شارفت فيه على أن تضرب ضربتها القاضيه ضد زواج لا معنى له ولا قيمة ، والادهى والامر أن المتضرر الاول من هذا الزواج هم الابناء !
في هذه المرحلة المصيرية !
اكتشف الأطباء أن ابنها الأكبر مصاب بمرض عضال مرضٍ لا علاج له إلا بالحب والرعاية والهدوء والوقت الكافي بعيداً عن اي صراعات !
وقت طويل ؟! كان يعني أن تضع كل حياتها جانباً و أن تتوقف عن السعي وعن الطموح وحتى عن القرارت !
وأن تتفرغ لهذا الابن الذي جعل قلبها ينبض بحب لا يعرف للرغبات طريق سوى رغبة الشفاء
انقلبت حياتها رأساً على عقب سقطت أحلامها وطموحاتها وتطلعاتها أمام صرخة ابنها من لحظة ألم !
وجدت نفسها تعود للوراء ، للوراء جداً لتكرس حياتها له ولترافقه في رحلة من الألم والعلاج الطويل !
رحلة تحتاج فيها إلى كل قطرة من قوتها وصبرها
كانت تشعر بأنها عالقة لكنها لم تتراجع !
في خضم قصة الألم التي تخص ابنها كان زوجها على الهامش كعادته لم يكن قادراً على استيعاب حجم المسؤولية !
فظل بعيداً غارقاً في ظنونه وشكوكه بكل من حوله !
ورغم خيبة الأمل وجدت في أعماقها قوة جديدة قوة من نوع اخر شُعلة من الشجاعة لم تعرفها من قبل !
كان الألم يغيرها ويعيد تشكيل روحها وكلما زادت صعوبة الأيام كانت تجد في نفسها أملاً عجيباً ينبض في قلبها أملاً يعلو فوق كل انكساراتها !
كانت تجلس بجانب سرير ابنها ليلاً تارةً تراقب وجهه النائم و تارةً أخرى تراقب العلامات الحيوية وهي تتذكر كل لحظة كفاح خاضتها وكل التضحية التي قدمتها في سبيله أدركت أن حياتها لم تكن لتسير كما أرادت لكن القدر قادها إلى طريق لم تتوقعه طريق الحب غير المشروط والقوة التي تُولد من قلب الألم
وبعد شهور طويلة من الصبر والكفاح بدأت تشعر أن الحياة تعيد تشكيل نفسها من جديد لم تعد ترى زوجها جزءاً من ألمها
ولم تعد تسعى للهروب أو البحث عن نقطة نهاية !
كانت ترى في محنتها درساً عظيماً، درساً يعلّمها أن السعادة ليست في تحقيق الأحلام
بل في القوة التي تصنعها الظروف القاسية، والقلب الذي يحتمل أكثر مما كان يظن !
وهكذا، في نهاية المطاف، أدركت أنها لم تكن ضحية القدر، بل كانت بطلة قصة صمودها قصة القوة والحب الذي لا يعرف الحدود !
مرت الشهور الطويلة والسنوات انتهت رحلتها بأن ابنها تعافى وبدأ يخطو نحو طموحاته فيما ظلت هي تراقب حياتها الماضية كقصة مليئة بالتضحية والشجاعة مدركة أن السعادة ليست في تحقيق الأحلام بل في القلوب التي تضمدها !
بقلم
قوت القارئين