الرئيسية مقالات عند الأطلال… حين يسقط الصرح

عند الأطلال… حين يسقط الصرح

162
0

بقلم:أحمد علي بكري

في مساء هادئ، استمعتُ إلى أغنية الأطلال لأم كلثوم، تلك التي تحمل بين أبياتها شيئًا من الروح والأنين والحنين. توقّفت عند البيت الأول الذي يقول:

يا فؤادي لا تسل أين الهوى

كان صرحًا من خيالٍ فهوى

وكأن الشاعر لا يصف حاله وحده، بل يصف حال قلوب كثيرة، علّقت أمنياتها على جدار هشّ، وبنت قصورًا من أحلام على أرض رخوة، فما لبثت أن انهارت مع أول ريح من خيبة أو أول لمسة من حقيقة.

نحن – في لحظات الحب – نُسرف في الثقة، نضع قلوبنا في يد من نحب كما لو كانوا أوفياءً بالفطرة، ونُعلّق أملنا على حضورهم كما لو كان وعدًا لا يخلف. لكن ما أكثر ما نصحو فجأة على الفراغ! نكتشف أن بعض المشاعر التي بذلناها لم تجد من يستحقها، وأن بعض الوجوه التي ظنناها مرفأً، لم تكن سوى عابر طريق في عمرنا.

تلك الخيبة تشبه سقوط صرح شامخ. لا يسقط جدارًا واحدًا، بل ينهار معه تاريخ من الحنين، وذكريات كانت تسندنا في العتمة. ونظل نسائل أنفسنا: أكان الخطأ فينا لأننا أحببنا أكثر مما يجب؟ أم كان فيهم لأنهم لم يُدركوا قيمة ما منحناهم؟

ومع ذلك، فإن في الانهيار حكمة، وفي الجرح درسًا. نحن لا نتعلّم الوفاء إلا حين نخوض تجربة الخيانة، ولا نُدرك قيمة الصدق إلا حين نكابد مرارة الكذب. وربما كان هذا ما أراد الشاعر أن يقوله: إن الهوى ليس دائمًا خلودًا، بل قد يكون صرحًا من خيال، ينهار حين يمتحنه الواقع.

لكن، ما أجمل أن يبقى في داخلنا شيء من الشجاعة، أن نُواصل الحياة بعد السقوط، أن نعيد بناء أرواحنا ولو على أنقاض أطلال قديمة. فالأمل لا ينتهي عند خيبة، بل يتجدّد في قلوب تعرف أن الحبّ الحقيقي لا يُذلّ ولا يُخون