الرئيسية مقالات إبداع الخلق… حيث تقف العقول إجلالًا

إبداع الخلق… حيث تقف العقول إجلالًا

12
0

 

﴿خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ۝ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾

خضران الزهراني

حين يتأمل الإنسان ذاته، لا يحتاج إلى دليلٍ بعيد ليوقن بعظمة الخالق، فكل ما فيه آية، وكل تفصيلة في جسده حكاية إتقان لا يضاهيها إبداع. آية قصيرة في لفظها، عظيمة في معناها، تهزّ القلوب قبل العقول، وتوقظ في النفس دهشةً لا تخبو مهما تكرّر التأمل.

خلقك…

ولم يكن الخلق عبثًا، بل خلق مقرون بالحكمة، سابقٌ للعلم، لاحقٌ بالقدرة. من عدمٍ إلى وجود، ومن ضعفٍ إلى اكتمال، ومن نطفةٍ لا تُرى إلى إنسانٍ يُدرك ويعقل ويشعر. ثم سوّاك؛ فجاء التوازن بديعًا، لا زيادة تشوّه ولا نقص يُربك، تناسق في الأعضاء، وانسجام في الوظائف، ودقّة لو اجتمع أهل الأرض على تقليدها لعجزوا.

ثم عدلك…

أي عدلٍ أعظم من هذا؟ عدلٌ في الخِلقة، وعدلٌ في الهيئة، وعدلٌ في القدرات. أعطاك ما تحتاج، ومنع عنك ما يفسدك، وجعل لكل عضوٍ وظيفة، ولكل إحساسٍ معنى، ولكل نبضةٍ توقيتًا لا يختل. قلبك لا يستأذن، ورئتاك لا تتوقفان، وعقلك يعمل حتى في غفلتك… فمن ذا الذي يدبّر هذا كله؟

في أي صورةٍ ما شاء ركّبك…

اختيارٌ إلهي لا يخضع لمقاييس البشر، ولا لأهواء المقارنة. لونك، ملامحك، صوتك، بصمتك، حتى اختلافك عن غيرك… كل ذلك توقيع خاص من الخالق، رسالة تقول: أنت كما أرادك الله، فكن كما يحب.

وحين يطغى على الإنسان وهم النقص، أو يرهقه جلد الذات، أو يستهلكه السعي خلف مقاييس الجمال الزائفة، تأتي هذه الآية لتعيد التوازن إلى الروح، وتهمس في القلب:

نِعَمُ الله عليك ليست فيما تملك فقط، بل فيما أنت عليه.

إن أعظم الإبداع ليس فيما تراه العين، بل فيما لا تراه: انتظام الأجهزة، دقة الأعصاب، انسجام المشاعر، قدرة الإنسان على الفرح والحزن، على السقوط والنهوض، على الخطأ والتوبة. ذلك هو الإبداع الذي لا يضاهيه إبداع، ولا يسبقه فكر، ولا يلحقه تقليد.

فسبحان من خلق، فسوّى، فعدل، فاختار، فأتقن…

وسبحان من جعل في كل إنسان آية، وفي كل نفسٍ دليلًا، وفي كل لحظة حياة سببًا للشكر.