الرئيسية مقالات العنصرية دغدغة مشاعر

العنصرية دغدغة مشاعر

51
0

 

بقلم ‫المهندس ابراهيم آل كلثم الصيعري‬

يقع الكثير من الناس في صراع بين الغريزة والمبدأ. بينما يميل العقلاء إلى المبادئ فيُغلبونها على غرائزهم، يندفع آخرون وراء غرائزهم. وغالبًا ما يتم استغلال هؤلاء الأشخاص من خلال التلاعب بمشاعرهم ودغدغتها، لدفعهم نحو اتخاذ أفعال وأقوال تخدم مصالح من يستغلهم، على حساب الأوطان والمجتمعات والقيم والمبادئ الإنسانية.

 

تندرج العنصرية تحت خانة الغرائز، لما تحدثه من دغدغة لمشاعر تفوُّق الذات على الغير وكأنها إنجاز لصاحبها، رغم أنه يدرك تمامًا أنه ليس له دور في ذلك، بل هو أمر قدري قضاه الله له أو عليه، فهو لا يملك أن يغير ما قُدر له أو عليه إن لم يعجبه، فليس أمامه سوى الشكر أو الصبر.

 

هناك من يعتقد بتفوقه العرقي على سائر الأعراق، أو تفوق جنسيته على سائر الجنسيات، أو عائلته أو قبيلته أو دينه أو مذهبه …. الخ. وإذا سلمنا بأن له حق شخصي في أن يعتقد بما يشاء، أو أن يفخر ويفتخر بما شاء، فإن هذا لا يعطيه الحق في إيذاء وازدراء غيره بناءً على ما يرى في نفسه. ومع أن الدين ليس أمراً قدرياً، إلا أن له نصيبٌ من ذلك، حيث يبدأ المعتقد مع الإنسان بحسب ما يُنشئه عليه والداه أو مجتمعه. ثم بعد ذلك قد تتاح له فرصة الاختياراً إن تيسر له الاطلاع على الدين الحق. وتكمن العنصرية الدينية في إيذاء المخالف المسالم لمجرد مخالفته للمعتقد الديني.

 

ومع أن الاختيار حق مكفول للجميع، إلا أن الإنسان قد لا يكون مخيراً فيما يجد نفسه فيه، كالعرق أو اللون أو الدين. فإن من أسوأ العنصريات التمييز على أساس شيء من ذلك. وذلك بالتمييز في المعاملة والاحترام والإنسانية. حتى أنها قد تصل لدى البعض حد الازدراء والإيذاء المباشر أو الضرب المبرح أو القتل بلا ذنب ولا جريرة اقترفَتها الضحية، غير اختلافها عن أو مع من له نفس عنصرية. ولا أقول فكراً عنصرياً، فذلك بعيد كل البعدعن الفكر والتفكير، ولا يصدر إلا عن نفس خبيثة.

 

وتجسد العنصرية الناتجة عن اختلاف الألوان مشاهد مؤلمة، مثل ذلك الحادث الذي شهدته لرجل أبيض يترجل من سيارته متوجهاً نحو رجل أسود مسن كان يسير على جانب الطريق، حيث أطلق عليه النار بدم بارد فأرداه قتيلاً دون أي شعور بالذنب أو الندم. ومن يسمع أو يقرأ عن تجارة الرقيق، يجد أن التاريخ مليء بالفظائع، فقد استعبد الرجل الأبيض أخاه الأسود لقرون طويلة، ولا يزال يمارس التمييز ضده حتى بعد إنهاء العبودية بقرار دولي.

 

أما فيما يتعلق بالعنصرية الناتجة عن اختلاف المعتقد، فكم شهدنا من المشاهد المؤلمة التي تُدمي القلوب لصراعات بين أبناء الوطن الواحد، حيث يتناحرون فيما بينهم فيُقيمون المجازر لبعضهم البعض بناءً على اختلاف المعتقدات لا غير. رغم أن خالقهم الذي هو أعلم بهم من أنفسهم، قد وجههم في كتابه الكريم، من خلال أمره لنبيه بِأن يخاطب الكافرين بقوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 6]. وكما جاء في قوله تعالى: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ” [يونس: 41]. وأيضاً في قوله عز وجل: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي [البقرة:٢٥٦] .

 

ولا يقل عن ذلك ما تتناقله الأخبار حول النزاعات الناتجة عن العنصرية القائمة على العرق والانتماء القبلي، كما هو الحال في العديد من الدول. وكما كان يحدث بين قبائل شبه الجزيرة العربية من غزوات متبادلة حتى تمكن الملك عبدالعزيز من توحيدها في كيان واحد هو المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى تحقيق الاستقرار، وعم الأمن والأمان، والحمد لله. ومع ذلك، لا يزال بعض الأفراد يعتقدون أن قبيلتهم أفضل من الآخرين، مما يثير النعرات التي هي أساس الفتنة. وفي مثل هذا، يقول الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: ١٠٣].

 

وقد شرَّعَت الأمم المتحدة ودول العالم بما في ذلك المملكة العربية السعودية، قوانين تجرم العنصرية بأشكالها المختلفة. ومع ذلك، يبدو أن غريزة الشعور بالتفوق على الآخرين لدى البعض أقوى من أن تهذبها القوانين والأنظمة، كما حدث في الولايات المتحدة عندما قام شرطي أبيض بالضغط بركبته على رقبة متهم أسود حتى فارق الحياة، مما أدى إلى أن تندلع الفتنة وتعم الفوضى في البلاد، وُيفقد معها الأمن والأمان، وتُنهب وتُحرق الممتلكات العامة والخاصة، فضلاً عن وقوع المزيد من القتلى.

 

لذا وجب علينا كمسلمين أن نحمد الله عز وجل ونشكره على نعمة الإسلام الذي سبق هذا العالم الموصوف بالمتحضر إلى نبذ التفرقة على أساس اللون أو العرق، كما في قوله ﷺ : يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ [غاية المرام:٣١٣].

 

إن سماحة الإسلام لم تقتصر على نبذ التفرقة على أساس اللون أو العرق وكافة أشكال العنصرية فحسب، بل تجاوزت ذلك لتشمل تأمين حقوق المخالفين على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، ما لم يكونوا من المحاربين للإسلام والمسلمين. كما في قوله تعالى في سورة الممتحنة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩) .

 

في الختام، إن أرض الله واسعة وخيرها وفير، يكفيان الجميع للعيش بسلام والتعايش معاً رغم اختلاف الألوان والأعراق والمعتقدات. ومع ذلك، لا يعني التعايش مع المعتقدات المختلفة الإقرار بصحتها. وإنه لمسكين من يعتقد أن الكراهية تمنحه قوة، أو أن الحقد يزيده ذكائاً، أو أن القسوة والجفاء تجعله إنساناً ذا قيمة، ولكن ذلك كله مما يؤسف له. فلنتعلم كيف نشارك الآخرين آلامهم ومعاناتهم، ولنعش معاً ونتعاون لنصبح أفضل.

١٠/١٢/ ٢٠٢٤ م

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا