محمد الرياني
صُورُها المتعددةُ تسكنني ، تسكنُ ذاكرتي ، تسكنُ قَلبي وشراييني ، تتحركُ مع نبضاتِ نبضي حتى تكون مني ، كلما زرتُ أركانَ البيتِ ارتسمتْ صورتُها بألوان لم يصنعْها البشر ، وكأنَّ ألوانَها نبتتْ لها وحدَها ، وأنا أشربُ العصيرَ في الكأسِ الفاخرةِ التي ابتاعتْها هديةً لي وحدي لا أطيق فراقَ العصيرِ ولا الكأسَ الفاخرةَ ولا اللحظةَ التي أمضيها لأستلذَّ بطعمِ العصيرِ وجمالِ صورتِها أمامي ، وفي الدواليبِ التي صمَّمتْها لتكونَ ذكرى فريدةً لا أخال آنيةً جامدةً مصنوعةً من معدن أو زجاجٍ أو أوراقٍ من البلاستيك ؛ كلُّ الذي أتخيله يؤطرُ صورتَها حتى تكاد الآنيةُ هي صورتُها التي جاءتْ استثناءً لهذه الرائعة ، لم تكن تلك المرأةُ الأسطوريةُ مجرَّدَ جسدٍ تقليدي يتحركُ ببلاهةٍ كي يزهقَ عُمْرَ ساعاتِ اليومِ أو عقربَ ساعةٍ يتحركُ ليمضيَ الوقت ، كانت شيئًا آخرَ يرسمُ بمدادِ الحياةِ على صفحةِ الحياةِ لوحتَنا لنكونَ الأسعدَ في هذا الكون ، كبرنا ونحن ننظرُ في عينيْ بعضنا والجمالُ خُلق لأجلنا ؛ وأنَّ الحياةَ التي صيغتْ لنا أفرَدتْنا بحياةٍ مختلفة ، أحببْنا بعضنا لدرجةٍ غيرِ معقولةٍ أو لاترتقي إلى فهمِ البشر ، قلتُ لها هل أحتفلُ بكِ امرأةً كما يفعلُ الآخرون ؟ أحسستُ أنَّ السؤالَ غريبٌ عليها وقرأتُ الضيقَ في أهدابها ، تراجعتُ عن السؤالِ ومنحتُها ابتسامةً عريضةً كي ترضى عني ، احتفلنا على طريقتنا ، وفي كلِّ خطوةٍ كنتُ أشيرُ إلى ركنٍ من أركانِ بيتنا وأقولُ لها انتبهي ! تقول لي : كدتَ تُسقطُ قلبي ، قلتُ لها : انتبهي إلى صوركِ في كلِّ مكان ، قالتْ لم أرَ شيئًا ، أجبتُها : يكفي أن أراكِ أعظمَ مَن في العالَم ، ابتسمتْ وجلستْ على الأريكةِ بجواري وقد جهَّزَتْ لي كأسَ عصيرٍ قائلة : هل ترى صورتي في الكأس ؟ رشفتُ آخرَ رشفةٍ وَصُورتُها في أعماقِ الكأس تبتسمُ في وجهي ، هكذا كنتُ أراها .