الرئيسية مقالات حكمة الفقد وتجليات العطاء*

حكمة الفقد وتجليات العطاء*

55
0

 

بقلم الكاتبة : مي الحارثي
في يومٍ هرعتُ إلى ربي، مُقنِّنًا الإجابة، وعلى طول المشاوير أردد: “إن كان خيرًا أتاني به، وإن كان شرًّا فاصرفه عني.”
فإذا به يصرفه عني، فانكسرتُ وتحطّمت. كيف لخيرٍ كهذا أن يُصرف عني؟ كان الهوس به أقربَ للجنون.

لكن الله لا يضيع قلبًا لجأ إليه، فإذا بي يرمي لي بخيرٍ آخر، تلهّفتُ للإجابة، وانتظرت طويلًا حتى وصلت إلى محيطه الذي كان فيه. وقفتُ على ضفاف الانتظار، أترقّب لحظة الوصول، وبين الخوف والرجاء، أدركت أن الخير قد يأتي بوجهٍ آخر، وربما كان الصرف ذاته عين العطاء.

كان هناك الكثير من الخيرات، لكن ما قد رُفع عني كان أعظم مما جاءني. لم يكن مجرد خير، بل كان فتنة مُغلّفة بالرغبة، ولو بقي، لربما كنت أسيرًا لهواي، غافلًا عن حكمة الله. استلهمتُ خواطري، واستلذذتُ بوجداني، وأدركتُ أنني لم أُحرم، بل نُجّيت، وأن الفقد الذي يحزننا قد يكون رحمةً خفيّة، والتأخير الذي يرهقنا قد يكون ترتيبًا إلهيًا لا نراه الآن، لكنه في عمق القدر، خيرٌ مطلقٌ لا يُضاهى.

وجدتُه العنان للهوى، أن أكون بقرب نفسه وبنفسي، أن أغرس سلاحه بين أغصاني، أن أستفيق من سكري كما أستفيق من نومي. لكنه كان زيفًا يتوشّح الحقيقة، وسرابًا يلبس ثوب الماء. كنت أظن أن الفقد يعصف بالروح، لكنه كان ولادةً جديدة، كان خلاصًا من سكرة التعلّق، كان يقظةً بعد سبات، ونورًا يتسلل من شقوق القلب ليعيد تشكيله من جديد.