الرئيسية مقالات بين سوق الهوى وجراح القلوب

بين سوق الهوى وجراح القلوب

165
0

 

بقلم / احمد علي بكري

ما أسهل أن تنطلق الكلمات من شفاه من نحبهم، وما أشد وقعها حين تسقط على قلوبنا كحجارةٍ من سجيل.

“ابحث عن حبٍ آخر”

هكذا، ببساطة شديدة، وكأن الحب متوفرٌ كما تُعرض السلع في الأسواق، وكأن القلوب تُبدل كما تُبدل الثياب بين الفصول.

لا يدرك من ينطقها أن في قلب المحب، الحب ليس خيارًا بين بدائل، بل مصيرًا كُتب، ونقش في أعماق الروح نقشًا لا يُمحى.

ليس الحب نزوةً تُستهلك وتُنسى، بل هو جذورٌ ضاربة في الأرض، أغصانها تلامس السماء وأوراقها تتنفس الشوق مع كل نسمة هواء.

حين يسمع العاشق هذه العبارة، لا يسقط وحده، بل تسقط معه كل ذكرياته الجميلة، كل اللحظات التي اعتقد أنها متبادلة، كل نظرة ظن فيها أن العيون قالت ما لم تفصح به الشفاه.

ينهار داخله وطنٌ كان قد بناه من الأحلام، ويجد نفسه طريدًا على أرصفة الخيبة، حاملاً قلبه المنكسر بين يديه، يبحث في العيون عن بقايا إجابة أو شفقة.

وإن كان المحبوب قد نطقها رغبةً في التخفيف، فكم قسوةً تختبئ خلف رحمةٍ كهذه؟!

أليس الأجدى أن يُحتضن الجرح لا أن يُنكر، أن يُمسح الدمع لا أن يُستهان به؟

إن القلوب التي أحبت بصدق، لا تعرف طريقًا آخر، ولا ترى بديلاً ولا عوضًا.

المحب لا يبحث عن حب جديد كما يبحث العطشان عن بئرٍ آخر، بل يعيش مأساته، يقبلها، يضمدها، وقد يقضي عمره باحثًا عن شبيهٍ مستحيل، فلا يجد سوى السراب.

ولو تبدلت الأدوار، ولو كان المحبوب هو المحب المهجور، لأدرك كيف تصرخ الروح صمتًا حين يُطلب منها أن تُغير ولاءها، أن تُكف عن الخفقان، أن تمسح بحركةٍ خائنة تاريخًا من التوق واللهفة.

الحب الحقيقي وطن لا يفرط فيه القلب، حتى لو انهدم، حتى لو خلا من سكانه.

هو البصمة التي لا تمحى، هو النار التي لا تخبو مهما هبّت عليها رياح العمر.

فيا من تنطقون هذه الكلمات خففوا عنا رحمةً، لا جرحًا، واذكروا أن القلوب ليست بقالات ولا أسواق، وأن المحب لا يملك قلبه حتى يسلمه لآخر كما يسلم المسافر حقائبه عند أبواب السفر.

أليس في القلب شيء من الوفاء لمن أهداه نفسه؟

أليس للذكرى حرمة، وللمحبة قدسية، مهما انتهت الحكايات؟

وخاتمة القول،

يا مَنْ بُليتُ بحبِّه فاستعصما

وتركني حيرانَ أشكو الألما

قال ارحل ابحث عن هوىً غير الهوى

وكأن قلبي كان شيئًا يُهدما

ويلي عليهِ وكيف أنسى مغرما؟

ما كان حلمي في الهوى أن أنثني

بل كان حلمي أن نعيش تكرُّما