الرئيسية مقالات “من شوكة نبات إلى ثورة صناعية: كيف غيّر الـVelcro وجه العالم”

“من شوكة نبات إلى ثورة صناعية: كيف غيّر الـVelcro وجه العالم”

28
0

 

بقلم: احمد علي بكري

في عالم التكنولوجيا والاختراعات، غالبًا ما ترتبط الإنجازات العظيمة بالعقول اللامعة والتخطيط الدقيق، لكن في بعض الأحيان، تقودنا الطبيعة — وبالصدفة البحتة — إلى ابتكارات تغير حياتنا. من بين هذه الابتكارات ما يُعرف اليوم باسم الفيليكر (Velcro)، وهو ذلك الشريط اللاصق المألوف الذي يستخدم في الأحذية والملابس وحقائب السفر، وحتى في الفضاء! ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن هذا الاختراع البسيط بدأ بملاحظة عادية خلال نزهة ريفية.

البداية: نزهة كلّها تساؤلات:

في عام 1941، خرج المهندس السويسري جورج دي ميسترال في نزهة مع كلبه في الريف. بعد العودة إلى المنزل، لاحظ أن بذور نبات الأرقطيون (نوع من الأشواك البرية) قد التصقت بثيابه وبفراء كلبه بطريقة مزعجة ولكن مثيرة للفضول. بدلاً من إزالتها ورميها ببساطة، قرر فحصها تحت المجهر.

الإلهام من الطبيعة:

عند تكبير البذور تحت المجهر، اكتشف دي ميسترال أن الأشواك تحتوي على خطاطيف صغيرة جداً تتشبث بالأنسجة ذات السطح الليفي. هذا التصميم الطبيعي المذهل أوحى له بفكرة خلق مادة صناعية تعمل بنفس المبدأ: خطاطيف تتشابك مع حلقات، وتُكوّن رابطًا قويًا يمكن فصله بسهولة.

من الفكرة إلى الواقع:

قضى دي ميسترال سنوات في تطوير النموذج الصناعي لهذا المفهوم. جرب مواد مختلفة حتى وصل إلى مادتين:

جانب الخطاطيف: مصنوع من النايلون المقصوص والمُعالج بالحرارة لتكوين الخطافات.

جانب الحلقات: مصنوع من نسيج ناعم يمكن أن يمسك بالخطاطيف عند الضغط عليهما معًا.

في عام 1955، حصل دي ميسترال على براءة اختراع، وأطلق على منتجه اسم “Velcro”، وهي كلمة مركبة من الفرنسية: Velours (مخملي) وCrochet (خطاف).

تطبيقات غير متوقعة:

في البداية، لم يكن الناس متحمسين للفكرة، لكن سرعان ما لفت الفيليكر أنظار وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، التي استخدمته في بذلات الفضاء لسهولة فتحها وإغلاقها، وكمثبت للأدوات في انعدام الجاذبية. من هناك، شق الفيليكر طريقه إلى:

أحذية الأطفال والرياضيين

الملابس الطبية

سترات الجيش

الأجهزة المنزلية

السيارات والطائرات

وحتى مستحضرات التجميل!

الفيليكر اليوم:

اليوم، تُنتج شركات الفيليكر ملايين الأمتار منه سنويًا، وتُستخدم في آلاف الصناعات. وقد أصبح مثالاً كلاسيكياً لما يُعرف بـ “الابتكار الحيوي” (Biomimicry)، وهو تصميم تقنيات مستوحاة من الطبيعة.

ما بدأ كمجرد لحظة فضول في الريف السويسري، تحول إلى ابتكار غير وجه الصناعة والتكنولوجيا. قصة الفيليكر تذكرنا بأن العين المبدعة ترى في الأشياء العادية إمكانيات غير عادية، وأن الطبيعة لا تزال أفضل مهندسة عرفها الإنسان.