بقلم: أحمد علي بكري
في دهاليز القلب، تمرّ الأيام كما تمرّ النسائم في دروب الحياة، تُزيل بعضًا من الغبار، وتذر بعضًا من الأثر. ننسى العتاب، نغفر الزلل، نتجاوز النقص، لكنّنا لا ننسى مرارة الخذلان… تلك المرارة التي تبقى كشوكةٍ في الحلق، لا تذوب بالماء، ولا تذهب بالنسيان.
كلُّ مرٍّ، يمرّ…
مرّ التعب، مرّ الضيق، مرّ الفقد العابِر، مرّ الانكسار الذي نجمَ عن خطأٍ في الطريق.
لكن مرارة من خان، من ضحك على صدقك، من تقاسم معك الدعاء ثم طعنك في الخفاء… تلك لا تمضي، لا تموت، لا تَرحل.
نعجبُ من أولئك الذين كنا نحسبهم وطنًا، فاكتشفنا أنهم مجرد عابرين في ليل الشعور، يتسلّون بوهج قلوبنا، ويلهون بوهج صدقنا، ثم حين تبهت أنوارنا، يغادرون كما لو أننا لم نكن، وكأنّنا كنا مسرحًا لخيالهم العابر.
وما أقسى أن تكتشف متأخرًا… أن الذي كنت له الأمان، لم يكن لك سوى امتحان.
أن الذي بَكيت له، هو من صَنع فيك وجع البكاء.
أن الذي حسبته يهتم، كان فقط يراقب سقوطك ليسلّي وحدته.
يا لغرابة الوجوه التي كانت تسكن قلوبنا… ويا لعجب الوجع الذي يسكننا من بعدها.
فما أقسى خيانة الأمل، حين تأتي من مأمن القلب، وما أمرّ من أن تُؤخذ مشاعرك مأخذ المزاح، وتُستخدم في لعبة الكذب البريء.
لسنا ناقمين، لكننا متيقّنون.
لسنا حاقدين، بل متأملون.
فمن خذلنا، خسرنا… ومن صدقنا، كسبنا أنفسنا.
نبقى نحن… نحمل جراحنا كما تحمل الأم وليدها، نداويها بالصبر، نربت على كتف الألم، ونقول: “سيزول… إلا مرارة الخذلان، فإنها لا تزول.”
ولأنّ بعض الذكريات لا تُحذف، وبعض الوجوه لا تُنسى، سنكتفي بأن نغلق الباب على ما مضى، دون أن ننسى أن نترك عليه لافتة تقول:
“هنا سكن من لا يستحق، فكانت مرارته أبقى من مرّ الأيام.”