الرئيسية مقالات “حين يكون الخوف سلاحًا: فلسفة البارون الأحمر في الحرب والهيبة”

“حين يكون الخوف سلاحًا: فلسفة البارون الأحمر في الحرب والهيبة”

73
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

“Why do you want it red? You will lose the element of surprise…”

“I don’t want them to be surprised, I want them to be afraid…”

-Manfred von Richthofen, The Red Baron

“لماذا تريدها حمراء؟ ستفقد عنصر المفاجأة…”

“لا أريدهم أن يُفاجأوا، أريدهم أن يخافوا…”

هكذا أجاب الطيار الألماني الأسطوري مانفريد فون ريشتهوفن، المعروف بلقبه الذي زلزل سماء أوروبا في الحرب العالمية الأولى: “البارون الأحمر” عندما سئلوه عن اللون الذي يريد ان يطلي به طائرته فاجاب اريدها حمراء.

في زمنٍ كانت فيه السماء ساحةً جديدة للصراع، حيث الطيران لا يزال في بداياته، لم يكن ريشتهوفن مجرد مقاتل في الجو، بل كان رمزًا للرعب المنظور، أسطورة تتحرك بجناحين بلون الدم، يراها الخصوم من بعيد فتتجمد قلوبهم قبل أن تبدأ المعركة.

لكن ما سر هذه الفلسفة؟ ولماذا اختار أن يُلغي عنصر المفاجأة، الذي يعتبره العسكريون ركنًا أساسياً من أركان النصر، لصالح التخويف العلني؟

الإجابة تكمن في فهم شخصية هذا الطيار الفذ، الذي تجاوز مفاهيم الحرب التقليدية، وصنع من حضوره النفسي سلاحًا لا يقل فتكًا عن رشاشاته.

الحرب نفسية قبل أن تكون نارية

كان البارون الأحمر يعلم أن المعركة تبدأ في العقول قبل أن تنطلق في الأجواء. فحين يرى العدو الطائرة الحمراء قادمة من بعيد، لا يفكر في الهجوم، بل في النجاة. لم يكن ريشتهوفن يبحث عن موقعة عادلة، بل عن حسمٍ نفسي يجعل النزال غير متكافئ منذ اللحظة الأولى.

اختار اللون الأحمر، رمز الدم والموت، لا ليختبئ بل ليُعلن عن نفسه، وكأنما يقول لخصومه: “أنا هنا، وقدركم أن تسقطوا.”

لقد حوّل الطائرة إلى راية حرب، وجعل من طلعاته الجوية بيانًا مكتوبًا بالرعب، يؤمن بأن الطغيان في المظهر قد يوفّر عليه الرصاص في كثير من الأحيان.

من الطائرة إلى الأسطورة

سجّل مانفريد فون ريشتهوفن أكثر من 80 انتصارًا جويًا، ليكون أحد أنجح الطيارين في التاريخ العسكري. لكن الأرقام وحدها لا تفسر لماذا بقي اسمه حيًا حتى اليوم، بل هيبته التي صنعت منه قصة تُدرّس، لا مجرد رقم في كتب القتال.

لقد فهم البارون أن الحرب ليست فقط تفوقًا تقنيًا أو تكتيكيًا، بل هالة، رهبة، وهيبة… وأن السماء ليست فقط ساحة طيران، بل مسرحًا يخشاه من يعرف أن الدور المقبل قد يكون له.

دروس من البارون الأحمر

تصريح البارون الأحمر يعلّمنا أن في بعض الحروب، يكون التهديد العلني أكثر رعبًا من الضربة الخفية. وأن الكاريزما المدروسة يمكن أن تكون سلاحًا نفسيًا يفوق في فاعليته أي رصاصة.

في عالم اليوم، تتكرر هذه الفلسفة في السياسة، الاقتصاد، والإعلام، حين تختار بعض القوى أن تعلن عن نفسها بقوة كي تزرع الرهبة في قلوب خصومها، تمامًا كما فعل ريشتهوفن في سماء الحرب الأولى.

عبارة “لا أريدهم أن يُفاجأوا، أريدهم أن يخافوا…” لم تكن مجرد ردًا عابرًا من طيّار مغامر، بل كانت ملخصًا لعقيدةٍ حربية تبني النصر على الخوف، لا على المفاجأة.

لقد كان البارون الأحمر لا يقاتل من أجل التخفي، بل من أجل أن يُرى… ويُرهب.

فأي قوةٍ أعظم من أن يراك خصمك قادمًا… ولا يجد الشجاعة ليُواجهك؟