الرئيسية مقالات “قلوبٌ لا تُؤمَر.. حين تَصغي الروح لنداءٍ لا يُسمع”

“قلوبٌ لا تُؤمَر.. حين تَصغي الروح لنداءٍ لا يُسمع”

44
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

في زحمة العالم، وتزاحم الأوامر والتوجيهات والتقاليد، تظل هناك مملكة واحدة لا سلطان لنا عليها، لا تعرف الترويض، ولا تستجيب للقوانين: إنها القلب.

نعم، لا سُلطة لنا على قلوبنا، فهي تنبض لمن أرادت، وتهوى متى شاءت، وتغفو في حضن من لا يدري بوجودها. تلك الحقيقة التي لم تُكتب بحبرٍ على ورق، بل نُقشت بنبضاتٍ موجعة على جدران صدورنا. كم من عاشقٍ هام بقلبٍ لا يعرفه؟ وكم من قلبٍ ظل وفيًّا لمن جافاه؟ وكم من حلمٍ سكن في قلب لا يليق به… لكنه بقي.

القلب لا يخضع لمنطق السوق، ولا لحسابات السياسة، ولا لخطط المستقبل التي نرسمها بعقلنا، بل يسير في دروبٍ لا نراها، يسلك طرقًا وعرة أحيانًا، لكنه يختار، ويهوى، وينكسر، ويعود، ثم ينبض من جديد. نحن نظن أننا من نختار من نحب، لكن الحقيقة أن الحب هو من يختارنا، ونحن مجرد ركاب في قارب تقوده مشيئة لا تُفسّر.

لقد حاول البشر منذ القِدم أن يسيطروا على قلوبهم، أن يمنعوها من الحنين، أو من التعلّق، أو من الأمل، لكنهم فشلوا. ولعلّ أجمل ما في القلب هو هذا التمرّد، هذا الاستقلال، هذا الجنون الذي يجعلنا أحيانًا نحب من لا يرانا، ونشتاق لمن آذانا، وننتظر من لا يعود.

وقد قيل: “إن القلب يعرف طريقه حتى وإن أضاع البوصلة.” فكم من رجلٍ أو امرأة وجدوا أنفسهم في حكاية حبٍّ لم يكن مخططًا لها، ولم تكن منطقية، لكنها كانت حقيقية. نبض القلب لا يحتاج إلى إذنٍ من العقل، ولا يستأذن في الحب، ولا يطلب تبريرًا لنبضاته. هو ببساطة: ينبض… لمن أراد.

وفي زمنٍ كثرت فيه الأقنعة والعلاقات المصطنعة، لا يزال القلب يحتفظ بطفولته، بشفافيته، بقدرته العجيبة على أن يُحب بصدق، حتى وإن كذب كل شيءٍ حوله. وهذا ما يجعلنا بشرًا؛ أن نحب رغم الخطر، ونؤمن رغم الألم، وننحاز لقلوبنا رغم كل حسابات العقل.

فلا تؤنب قلبك إن أحبّ من لا يجب، ولا تقسو عليه إن تعلّق بمن لا يبالي، فهو لم يختر أن يُولد، ولم يختر أن ينبض، لكنه اختار أن يكون حيًّا… على طريقته.

ختامًا، لا تطلب من قلبك أن يكون عقلانيًّا، ولا ترجُ منه طاعة مطلقة، فهو آخر بقعة من الإنسان تحتفظ بالحرية…

حرية أن يُحب، متى أراد، ومن أراد.