بقلم: الإعلامية عبير شفلوت الغامدي
في زحمة أيام الحياة، وبين ما يعتري الإنسان من تعب القلب، وهمّ النفس، وتقلّب الأحوال، يأتي يوم عرفة كرحمةٍ تهبط من السماء، كفرصةٍ ربانية قلّ نظيرها، كنافذة تُفتح مباشرة بين العبد وربه، لا يشوبها حجاب، ولا يرد فيها دعاءٌ بإذن الله.
اليوم التاسع من ذي الحجة ليس مجرد يوم في التقويم الهجري، بل هو يومٌ عظيم تُرفع فيه الأكف، وتُبلّل فيه الخدود، وتتنزّل فيه الرحمات، يومٌ يشهده أهل الأرض وأهل السماء، وتقف فيه أقدام الحجيج على صعيد واحد، بقلوب واحدة، ولباس واحد، ونداء واحد: “لبيك اللهم لبيك”.
في يوم عرفة تتجلى معاني العبودية الصادقة، حين ينسى العبد الدنيا وزخرفها، ويتجرد من شوائبها، ويركز كل كيانه نحو السماء، متضرعًا، مستغفرًا، متأملًا في رحمةٍ لا تنفد، ومغفرةٍ لا حدود لها.
يوم عرفة هو اليوم الذي أتمّ الله فيه نعمته على المسلمين، كما في قوله تعالى:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾
هو يوم التوبة الكبرى، والعودة الصادقة، والرجاء الذي لا يخيب.
فيه خير الدعاء، كما قال رسولنا الكريم ﷺ:
“خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.”
وفي يوم عرفة، تتساوى الأرواح مهما اختلفت الأجساد، وتُمحى الذنوب مهما عظمت، ويُكتب للعبد عهد جديد مع الله.
إنها ساعات معدودة، لكنها تصنع فارقًا أبديًا إن استغلها المؤمن بصدق.
ومن غير الحاج، فليعلم أن فضل يوم عرفة لا يقتصر على من وقف بعرفة، بل يمتد ليشمل كل من صامه، وأخلص فيه الدعاء، واستشعر عظمته. فقد ورد في الحديث الصحيح:
“صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده.”
يا من ضاقت بك الحياة، ويا من حملت في قلبك أمنية تنتظر الفرج، ويا من أثقلتك الذنوب، وجفّت منك السبل، عرفة يومك.
توجّه إلى الله بقلب خاشع، واطلب ما شئت، واسعَ أن تكون من عتقائه.
إنه يوم السكينة والتجديد الروحي، يوم نبكي فيه بدموع الرجاء، ونرفع فيه رايات الأمل، ونوقن أن بعد كل ضيق فرج، وبعد كل صبر أجر.
وفي ختام هذا المقال، لا يسعني إلا أن أرفع أكف الضراعة في هذا اليوم المبارك، وأقول:
اللهم في يوم عرفة، اقضِ حاجاتنا، واغسل قلوبنا، ووسّع أرزاقنا، واشرح صدورنا، واغفر ذنوبنا، وارزقنا من واسع فضلك سعادةً لا تزول، ورحمة لا تنقطع، وبشرى تسرّ قلوبنا.
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، ومن المقبولين عندك، ومن أهل الجنة يا كريم.
وختامًا، صلّوا على الحبيب محمد ﷺ، فما خاب عبد أكثر من الصلاة عليه.
﴿ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد ﷺ ﴾
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلا الله،
الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.