الرئيسية الأدب والشعر طيفك لا يغيب… وإن غبت

طيفك لا يغيب… وإن غبت

50
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

أتمنّى أن أكون لك كلّ ما تحب،

كلّ ما ترتاح له عينُك،

كلّ ما يُشعل فيك الدفءَ إذا برد العالم من حولك.

أتمنى أن أكون أول ما يخطر على بالك إذا ضحكت،

وآخر ما تنساه إذا حزنت.

أعلم أنّي لا أُجيد التمنّي كثيرًا،

لكنّي هذه المرّة أتمنّى بك،

لا منك،

أن تمرّ بي كما تمرّ الذكرى على القلب…

هادئة،

عميقة،

صعبة النسيان.

تمرّ كنَسمةٍ حانيةٍ في عزّ تموز،

كطيفٍ ما بين النوم واليقظة،

فلا أدري…

هل أنا من يذكرك،

أم الذكرى هي التي تذكّرني بك؟

أنت تسكنني…

في الذكرى،

في الخيال،

في الحلم الذي يأتي دون دعوة،

وفي الغياب الذي لم أطلبه يومًا، لكنه أتى دون اعتذار.

أراك في صوتٍ عابر،

في رائحةِ قهوةٍ صباحيّة،

في أغنيةٍ قديمةٍ،

وفي زاويةٍ من الطريق مررنا بها مرةً ولم نعد.

كلّ شيء فيك لم يكن “لحظة”،

بل عمرًا صغيرًا عشته معك.

حتى الألم…

حين يأتي من ذكراك،

أحتضنه…

لأنّه منك،

فكيف أكره ما جاء منك، وإن كسرني؟

يا من سكنتَ القلبَ رغمَ تباعُدٍ

وخلعتَ فينا صبرَنا والمرجعا

إنّي أحبّك، هل تُرى تدري بما

في القلبِ من وجَعٍ، ومنكَ تروّعا؟

كلّ ضحكةٍ ضحكناها،

كلّ لحظةِ صفاءٍ،

كلّ عتابٍ،

كلّ لحظة اختلطت فيها دموعنا وضحكاتنا…

ما زالت حاضرة.

لم تخرج من قلبي،

بل ازدادت تجذّرًا.

كل لحظة قاسية عشناها،

أصبحت ذكرى…

وأيُّ ذكرى تأتي منك، تُصبح جَميلة مهما كانت مُوجعة.

هل كنتَ تدري أنني مذ غبتَ، ما

نمتُ الليالي دونَ وجهِك مطلعًا؟

هل كنتَ تعرفُ أنني لا أبتغي

إلا حديثًا منك، يُبقي الأضلعا؟

أجلس أحيانًا في سكون،

وكلّ شيءٍ هادئ من حولي،

لكني أراك…

كأنّك لا تغيب،

كأنّك في قلبي، لا في العالم.

فأتمتم:

يا طيفَ مَن أحببتُ، يا حلمَ المُنى

مررتَ بي… فسكَنتَ قلبي مُوجعا

إنّي ذكرتُكَ، لا أُريدُ بذاك إذنًا

إن الحبيبَ، لذكركم مُتطوّعا

ما الحبُّ؟

هو أن تبقى في قلبي وإن لم تَعد.

أن أراك في كلّ شيء، دون أن أراك.

أن تُرافقني دون أن تدري،

أن أكتبك في كلّ شيء، دون أن تُمسك القلم.

أن تكون في دعائي، في وحدتي،

في طمأنينتي، في خيبتي،

وفي كلّ مرةٍ أُكابر فيها كي لا أذكرك… فأذكرك أكثر!

يا من نسجتَ الروحَ منك قصائدًا

وسقيتَ حرفي من هواك ومن دمي

هل في الغيابِ لنا رُقيٌّ من عنا؟

أم في السكوتِ نقولُ ما لم نفهمِ؟

لستَ مجرّد ذكرى…

أنت “وطني الداخلي” الذي أعود إليه كلّما ضاقت بي الدروب.

أنت دعائي في صلاتي،

وأملي حين تخونني الكلمات.

أنت الحكاية التي لا تُروى،

لأنها لا تنتهي.

وفي الختام،

لا أريدك أن تعود…

فقط،

أريدك أن تذكرني كما أذكرك…

كشيءٍ جميلٍ، وإن لم نُكمل الطريق سويًا،

فقد مررنا معًا…

وكان المرور، كافيًا لأن نعيش عليه أعمارًا.