الكاتب – ابو حماد ناصر .
“ليس كل ما يعجبك يرضيك، ولكن كل ما يرضيك يعجبك” هذه العبارة البسيطة والعميقة، يلخص الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي أحد مفاهيم الحياة الأكثر تعقيداً – وهو الفارق بين الإعجاب والرضا. إذ إن الإعجاب ينبع من انجذابنا للأمور التي تحمل مظاهر الجمال أو الإثارة في شكلها الظاهري، بينما الرضا أعمق وأشمل، فهو توافق داخلي يرضي النفس ويمس جوهرها
فكثيراً ما نجد أنفسنا معجبين بأشياء قد لا تجلب لنا الرضا الكامل. على سبيل المثال، قد نعجب بقطعة فنية باهظة الثمن، ولكننا قد لا نرضى بامتلاكها لأنها تتعارض مع احتياجاتنا الفعلية أو قيمنا الخاصة.
الرضا يتجاوز الجمال الظاهري ويعبر عن حالة انسجام الإنسان مع ما حوله ومع اختياراته. هذا الانسجام يولد سعادة وطمأنينة، وليس مجرد لذة مؤقتة.
الإعجاب كاستجابة للجمال الظاهري
يأتي الإعجاب كرد فعل مباشر على عناصر الجمال المرئية أو المسموعة، وهو عادةً سريع الزوال. فقد نعجب بأشياء كثيرة دون أن نشعر بأنها تناسبنا، وهذا طبيعي لأن الإعجاب مرتبط بالعواطف السريعة التي لا ترتكز دائماً على أسس ثابتة. في حين أن ما يرضينا غالباً ما يتسم بطابع الهدوء والاستقرار، وهذا ما يجعل الأشياء التي ترضينا أقرب إلى قلوبنا وأكثر دواماً.
الرضا هو حالة أكثر ديمومة وثباتاً من الإعجاب، وهو يأتي عندما يلتقي الإنسان مع ما يلائم روحه ومبادئه وقيمه. إن الرضا يولد من انسجام الإنسان مع اختياراته وتفضيلاته، سواء في العلاقات، أو الأعمال، أو حتى في الأمور المادية. فكلما كان اختيارنا مبنياً على أسس صحيحة، نجد أنفسنا أكثر قدرة على الاستمتاع بتلك الأشياء والعيش في سلام داخلي.
من المهم أن ننظر إلى اختياراتنا بمعيار أعمق من المظهر الخارجي، وأن نسأل أنفسنا: هل هذا الشيء يتوافق مع أهدافي وقيمي؟ هل سيبقى هذا الشيء مرضياً لي حتى بعد زوال حماسة اللحظة؟ إن إجابة هذه الأسئلة تساعدنا على التمييز بين الإعجاب المؤقت والرضا الحقيقي.
بكلماته الحكيمة، يدعونا الرافعي إلى البحث عن جوهر الأشياء والتأمل في ما يرضينا وليس فقط في ما يعجبنا. فالحياة مليئة بالأشياء التي تجذبنا بلمعانها، لكنها قد تفتقر إلى العمق الذي يبحث عنه القلب.