الرئيسية مقالات بسبب مشروع برنارد لويس… يكره الأخوان الدولة المصرية

بسبب مشروع برنارد لويس… يكره الأخوان الدولة المصرية

459
0

 

علاء فياض

يثير التقاطع بين الجاسوس والمفكر البريطاني- الأميركي برنارد لويس، وجماعة الإخوان المسلمين، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والفكرية، ليس بسبب وجود علاقة تنظيمية بين الطرفين فقط ولكن لأن لويس احتضن الإخوان في محطات تاريخية حساسة، وأعاد توظيفهم ضمن مشروع استعماري جديد يعيد تشكيل الشرق الأوسط على أسس طائفية وعرقية.

اولا برنارد لويس… عميل الاستخبارات مهندس السياسات تحت مسمى مستشرق

وُلد برنارد لويس عام 1916، وعمل في جهاز الاستخبارات البريطانية (MI6) خلال الحرب العالمية الثانية، متخصّصاً في شؤون الشرق الأوسط. ومع أفول الدور البريطاني في المنطقة، تم توجيهه إلى الولايات المتحدة ليصبح بحلول عام 1974 أحد المستشارين السريين لصناع القرار في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وبلغ ذروة نفوذه في عهد الرئيس ريغان عام 1983.

لم يكن مجرد أكاديمي، بل صاحب نفوذ حقيقي في أروقة السلطة الأمريكية، إذ كشفت وثائق أرشيفية عن اجتماعات دورية له مع رموز المحافظين الجدد مثل بول وولفوفيتز وديك تشيني، حيث قدم رؤيته حول كيفية “تفكيك العالم الإسلامي”. كما عمل أستاذاً بجامعة برنستون، وهناك طور أفكاره التي سبقت نظرية “صراع الحضارات” التي اشتهر بها لاحقًا صمويل هنتنغتون.

ثانيًا: الفوضى الخلاقة واستخدام الإسلاميين كأداة جيوسياسية

يُنسب إلى برنارد لويس تصوّر استراتيجي يقوم على تفكيك الدولة القومية العربية وتحويلها إلى كيانات طائفية وإثنية متنازعة وضمن هذه الرؤية، اعتبر الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، أدوات قابلة للاستخدام في تحقيق هذا التفكيك، مستفيدًا من قدرتهم التنظيمية وشعبيتهم في المجتمعات العربية.

وقد ظهرت هذه الرؤية مبكرًا في استخدام الإخوان ضد الاتحاد السوفيتي، حيث دعمت الاستخبارات الأمريكية بالتعاون مع لويس، الإسلاميين، كمخلب قط في الحرب الباردة. ثم أعاد لويس طرح نفس السيناريو لتفكيك الشرق الأوسط، لكن باستخدام الصراعات الطائفية والعِرقية هذه المرة، وتوظيف الإسلام السياسي ضمن مشروع الفوضى الخلاقة.

ثالثًا: صعود الإخوان كفاعل سياسي بغطاء غربي

شهدت التسعينيات صعودًا ملحوظًا للإخوان في المشهد المصري، حيث تعاظم دورهم في النقابات، والانتخابات، والمجتمع المدني. هذا الصعود لم يكن معزولاً عن السياسات الإعلامية الدولية، إذ وفرت لهم قنوات مثل الجزيرة وBBC نافذة دائمة، تم من خلالها ترويج الجماعة كمعارضة شرعية “معتدلة”، رغم كونها محظورة قانونًا في الداخل المصري.

كان هذا الترويج جزءًا من سياسة غربية أوسع، اعتمدت فكرة توظيف الجماعة كبديل سياسي يمكن التفاهم معه، مع دعمهم للمشاركة في كل الفعاليات السياسية والاجتماعية تحت مسميات غير إخوانية: مثل حركة كفاية، والوجود داخل أحزاب ذات أيديولوجيات متباينة، وحتى في الحركات الطلابية، والاحتجاجات المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

رابعًا: اللقاءات السرية والتمويل الغربي المبكر

كشفت وثائق الاستخبارات الأمريكية (وثيقة رقم 1884) عن لقاء تم في جامعة برنستون عام 1953، جمع بين برنارد لويس وسعيد رمضان، أحد قيادات الإخوان وصهر حسن البنا. هذا اللقاء الذي جرى بتمويل مباشر من الاستخبارات الأمريكية كان بهدف استخدام الجماعة كقوة مضادة للشيوعية في المنطقة.

وفي عام 1958، ساعدت CIA الإخوان على السيطرة على مسجد ميونخ، ليصبح مركزًا استخباراتيًا في أوروبا، يعمل كقاعدة لرصد المسلمين وتوجيههم تحت عباءة الخطاب الإسلامي، بما يتناغم مع مقولة لويس الشهيرة بأن الجماعة “معتدلة يمكن السيطرة عليها”.

خامسًا: الجزيرة وشرعنة الدور السياسي للجماعة

في عام 1996، أسست قطر قناة الجزيرة بدعم غربي مباشر، لتُستخدم لاحقًا كمنصة رئيسية لتلميع صورة الإخوان وتسويقهم كقوة إسلامية عقلانية وسطية، قادرة على لعب دور سياسي فاعل. وقد شكل هذا جزءًا من تنفيذ إستراتيجية “الفوضى الخلاقة”، عبر الترويج لخطاب “الإسلام المعتدل”، كبديل للأنظمة التقليدية التي بات الغرب يرى ضرورة استبدالها تدريجياً.

سادسًا: الاتفاقات السرية وسقوط الأقنعة

رغم شعارات “الإسلام هو الحل”، كانت الجماعة تعقد اتفاقات خفية مع الغرب، أبرزها ما كشفه ويكيليكس عن تعاون بين الجماعة والمخابرات البريطانية عام 2004. كما كشفت وثيقة سرية للخارجية الأمريكية (1961) عن توصيف الإخوان بأنهم “حركة إسلامية معتدلة يمكن استخدامها لامتصاص غضب الجماهير”.

وفي عام 2007، أوصت مؤسسة راند، المقربة من برنارد لويس، بدعم الحركات الإسلامية المعتدلة – وعلى رأسها الإخوان – في مواجهة الجماعات الجهادية، متجاهلة التناقضات الجذرية في فكر الجماعة وممارساتها.

سابعًا: الربيع العربي وتطبيق نموذج لويس

عقب أحداث 11 سبتمبر، استُحضرت أفكار برنارد لويس بقوة داخل أروقة صنع القرار الأمريكي. في عام 2011، ومع اندلاع الربيع العربي، تبنت إدارة أوباما نهجًا يستند إلى رؤية لويس، يقوم على استبدال الأنظمة المدنية التقليدية بقوى “إسلامية معتدلة”، عبر دعم مباشر وغير مباشر لصعود الإخوان في مصر وتونس، وتوظيف الإعلام الموجه كأداة ضغط على الشعوب والنخب.

ووصف لويس الربيع العربي بأنه “فرصة تاريخية لنمو ديمقراطي”، في حين كان في جوهره توظيفًا سياسيًا للإسلاميين ضمن مشروع إعادة الهيكلة الإقليمية.

ثامنًا: ثورة 30 يونيو وكشف اللعبة

جاءت ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وإطاحة حكم الإخوان، لتُسقط القناع عن التحالف الغربي – الإخواني، وتُفشل مشروع التمكين السياسي للإسلاميين الذي دعمته واشنطن وقطر. ولعل هذا ما يفسر الهجوم المستمر من الجماعة على الدولة المصرية، ومحاولاتها المستميتة لتشويه النظام المصري، باعتباره – من وجهة نظرها – المعوق الرئيسي للمشروع الغربي الذي كانت الجماعة أحد أبرز أدواته.