الرئيسية مقالات “حين تتحدث القوة… يسكت القانون: تأملات في ميزان العدالة المائل”

“حين تتحدث القوة… يسكت القانون: تأملات في ميزان العدالة المائل”

541
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

مقدمة:

إذا كنتَ تحمل سلاحًا، وأنا أحمل سلاحًا، فيمكننا أن نتحدث عن القانون.

وإذا كنت تحمل سكينًا، وأنا كذلك، يمكننا أن نتناقش حول القواعد.

لكن إذا كنت تحمل مسدسًا، وأنا لا أملك سوى سكين، فأنت وحدك من يملك “الحقيقة” المطلقة.

وإن جئتَ أنت بالسلاح، وجئتُ أنا خالي اليدين… فاعلم أن ما تحمله ليس مجرد قطعة من حديد، بل حياتي نفسها معلقة على إصبعك.

بهذه العبارة الصادمة، نلخص مأساة ميزان العدل حين يُبنى على القوة لا على القيم.

العدالة… وهمٌ مشروط بتوازن القوة:

يحب البشر أن يتغنّوا بفكرة القانون، ويتحدثون عن المساواة، وعن مبادئ العدالة والأخلاق، لكن الحقيقة التي تُخفى عمداً خلف أروقة المحاكم وسطور الدساتير، أن هذه المبادئ لا تُبنى إلا إذا كان الطرفان متكافئين في القوة. فالقانون ليس ميثاقًا أخلاقيًا بين ملائكة، بل هو هدنة مؤقتة بين من يمتلك أنيابًا متقابلة.

حين يتساوى الخصمان في السلاح، تُجبر كل الأطراف على احترام ما يسمّى بالقانون، لا حبًا فيه، بل لأن كل طرف يعرف أنه سيدفع الثمن غاليًا إن انقلب عليه.

أما إذا اختل هذا الميزان، وكان أحدهم أقوى: بالسلاح، أو المال، أو النفوذ، فالقانون يصبح عصا غليظة بيده، يضرب بها خصمه ثم يتذرّع بها ليُحكم قبضته، فيصبح ما يُقال عن “العدالة العمياء” أقرب إلى نكتة سوداء.

المال، القوة، والحقيقة المُقيّدة:

في هذا العالم، حين يتحدث المال، تُجبر الحقيقة على الصمت.

وحين تتكلم القوة، حتى المال نفسه يتراجع ثلاث خطوات إلى الخلف.

القوانين التي يفاخر بها البشر، سُنّت في الغالب لا لضمان الحقوق، بل لتكبيل الضعفاء. ومن وضعها، هم ذاتهم من خرقها كلما ضاقت مصالحهم.

إنهم يريدون إيهام الضعفاء بأن القوة ليست ضرورية، وأن العدالة ستحميهم من التغوّل. لكن الواقع أثبت غير ذلك. فالموارد التي يتقاتل عليها الأقوياء، غالبًا ما تكون في يد الضعفاء، لا لأنهم اختاروها، بل لأنهم لم يستطيعوا حمايتها. وهنا تتجلى قمة السخرية: أن تُطلب منك الطاعة باسم “القانون الدولي”، بينما تُنهب مواردك في وضح النهار.

النسب… والسطو الجيني:

وفي ساحات الجينات والأنساب، لا يختلف المشهد كثيرًا.

فهناك من يمتلك المال، أو النفوذ، أو كليهما، ثم يدّعي نسبًا لا يخصه، لا لشيء سوى أنه ناسبه… أو ناسَب مقامه!

وحين يُطالب أصحاب النسب الحقيقي بالحقيقة، يُطلب منهم أن يتجردوا للعلم، ويُقيدوا بقواعد لا يلتزم بها خصومهم.

أصحاب الحق يصبحون “حلفاء” لمدّعي النسب، لا لأن الحق معهم، بل لأنهم ضعفاء لا يملكون منابر المال أو الدعم الإعلامي.

تُستخدم ضدهم أدوات “الترهيب”، و”التشويه”، و”التزييف العلمي”، ولكن حين يكونون أقوياء بالوعي، والتاريخ، والشواهد، والشهرة بين أصحاب هذا الموروث… فإن الحقيقة لا يمكن طمسها.

الختام: من يفرض الواقع؟

العدالة ليست كلمات مقدسة، بل توازن واقعي بين أطراف متساوية.

القانون لا يُفعل حين يكون في يد طرف واحد.

ومن يعتقد أن امتلاك الحقيقة وحده كافٍ دون حماية… فإنه واهم.

في هذا العالم، كل شيء جميل – النسب، الحقيقة، الأرض، الكرامة – يجب أن تقاتل لأجله. لا تنتظر من واضعي القوانين أن يحموك، لأنهم غالبًا من صمموها ليُحكموا بها قبضتهم على ما ليس لهم.

فاحمل سلاح الوعي، والمعرفة، والصوت القوي، قبل أن تجد نفسك خالي اليدين أمام مسدس منمق بكلمة “العدالة”.