الرئيسية مقالات طفل الغربة

طفل الغربة

248
0

دائما نتحدث عن الغربة وعن المغتربين دون أن نسأل يوماً أنفسنا كيف بدأت هذه الحكاية التي عشعشت بقلوبنا؟ هذه الكلمة لا يمكن تمر مرور الكرام على مسمع طفل أو جنين ما زال ببطن أمه لأ تكون الغربة هنا قد سكنت وكبرت.

تبدأ الحكاية حين يولد الطفل ويعلو صوته ويملئ أركان البيت من صخب حياته الجديدة، لكن وعلى سبيل المثال، ما الذي يسمعه ذاك الطفل أو يخزنه في عقله حين يقول له أهله عبارة: الله يرجع أبيك من الغربة بالسلامة؟ هذه بداية البداية لقصة سماع أول كلمات عن الغربة.

حين يبدأ الطفل يستوعب ويفهم أكثر يصبح أكثر استفساراً حول لماذا الغربة؟ لماذا لا يكون أبي معنا ككل الأباء؟ ويسأل الف سؤال أخر بداخله، لكنه لا يستطيع أن يجد اجابات تملئ له تلك المساحة التي في داخله، فتبقى بعض أسئلته بدون إجابة، الا اللهم من إجابة إعتيادية: تغرب أباك لكي تعيش أنت وكي تتعلم، ويحضر لك كل الذي تريده، وهنا تكبر الكارثة دون استيعاب منه لهذه العبارة، إذ يصبح الطفل يحلم من نشأته بالغربة كأبيه تماماً، لأن من حوله يكون قد نجح في تزيين “الغربة” في رأسه من حيث انها هي التي تسد له الإحتياجات وأن كل شي فيها جميل، وبهذا، يقع الطفل في إغراء مبكر لفكرة الغربة، كيف لا وهو من صغره يحفظ في فكره أن الغربة وطن يجد فيه الأمان، لكن هيهات ان تتعشعش في فكره فكرة أنه غير مولود في وطن مسلوب لا يلبي احتياجاته، لذا يكبر هذا الطفل وذهنه مشتت وضائع دون أن يميز ما بين الوطن والغربة، فهو كلما تلفت يميناً أو يساراً سيتخيل وطناً منهار غارق بالعتمة وليست غير الغربة أمامه هي التي تناديه، وما أن يصبح الطفل شاباً الا ويكون جاهز لحزم حقيبته والهروب من واقع لن يستطع تحمله ومن حالة عدم رضا تراكمت في قلبه ليكرر غربة والده مع تتشتت محتمل لباقي الأسرة إذا قد يتوزع أفرادها بين عدة دول طلباً للرزق أو العلم أو حتى الكرامة.

هنا السؤال الصعب هل أرضى أن أعيش في وطني واقبل بالفقر وأحقق حلمي فيه؟ أم أرحل عنه لأعود بالمال على حساب أجمل سنين حياتي وأنا في وطني؟

أنه الوطن يا سادة، مهما كانت الصعوبات في الوطن الذي نعيش فيه يكفنا أن نعيش فيه بكرامة وبعزة نفس، في حين الغربة على حسناتها لا تعطنا سوى ضياع عمرنا وشبابنا.
.بقلم غزل احمد المدادحة