بقلم: أحمد علي بكري
في زمن تتسارع فيه التحوّلات الاقتصادية، يبرز سوق العمل في المملكة السعودية باعتباره ساحة تتجاذبها عدة عوامل: نمو أعداد الخريجين، سياسات القطاع الخاص، واستمرار استقدام العمالة الأجنبية لتكلفتها المنخفضة. وفي الوقت الذي يرفع فيه الشباب السعودي صوت البطالة، تتجلّى أهمية المؤهلات العلمية والمهنية كشرط أساسي لتعزيز أولوية المواطن السعودي في فرص العمل داخل وطنه.
جهود الدولة لتمكين الشباب السعودي
لقد سخّرت الحكومة السعودية كل إمكانياتها لدعم تمكين الشباب، وجعله ركيزة أساسية في تطور الاقتصاد الوطني.
وفقًا لتصريح رسمي لقِبَل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية:
“الدولة ملتزمة بإنشاء سوق عمل ديناميكية تمكّن شبابها، وتجهزهم للمستقبل، وتضعهم كمساهمين رئيسيين في الاقتصاد العالمي.”
وفي سياق مماثل، أعلن معالي وزير الموارد البشرية أن “قرارات سعودة المهن والأنشطة ساهمت في توظيف أكثر من نصف مليون سعودي في القطاع الخاص منذ عام 2019، وأن جميع المبادرات الاستراتيجية لسوق العمل ستكتمل بحلول نهاية 2025”
لكن، وعلى الرغم من هذه الجهود الرسمية، ما زالت بعض الشركات تُحاول التملّص من تطبيق هذه السياسات الفاعلة، أحيانًا عبر عمليات ضغط خفية أو الالتفاف على أهداف التوطين.
البطالة وفجوة المؤهلات بين السعوديين
بحسب الهيئة العامة للإحصاء لعام 2025، بلغت نسبة البطالة بين السعوديين 12.9%، بينما وُجد أن 63% من المؤهلات الأكاديمية لا تتماشى مع احتياجات القطاع الخاص. رغم التقدم المحرز، يُلاحظ استمرار إلحاق الباحثين الجدد بالبطالة في ظل سياسات بعض الشركات التي تُعمد إلى تهميش مؤهلاتهم والتركيز على العمالة الأجنبية الأرخص.
الفوارق الاقتصادية التي تعزز جذب العمالة الأجنبية
تشير بيانات Middle East Institute إلى أن 83% من العمالة الأجنبية تتقاضى أقل من 4,000 ريال شهريًا
وتشير تقارير عام 2023 إلى أن متوسط راتب المقيم في السعودية يبلغ 4,840 ريالًا بينما السعودي يحصل على متوسط 9,600 ريالًا شهريًا، وخيارات التأمين الصحي والاجتماعي لمساحة العمالة الأجنبية أقل بنسبة كبيرة
تلاعب الشركات وضغط الرواتب على السعوديين
بدأت بعض الشركات تضغط على الشباب السعودي لقبول رواتب منخفضة وغير معلنة رسميًا، وتقارُب حتى أجور المقيمين، بهدف تجاوز التزامات برامج التوطين. بالإضافة إلى ذلك، يقوم بعض الموظفين الأجانب في مواقع قيادية بفرض بيئة عمل تضيق على السعوديين الجدد، مما يدفعهم في بعض الحالات إلى الاستقالة تحت ضغط ضمني.
معوقات إضافية تواجه الشباب السعودي
من الممارسات الشائعة أيضًا فرض شروط تعجيزية مثل اشتراط خبرة مسبقةَ أو مهارات تقليدية غير مرتبطة بطبيعة العمل، مما يُسهم في إقصاء الشباب السعودي من المنافسة أمام العمالة الأجنبية الأوفر تكلفة.
العمالة الأجنبية: خيار اقتصادي لا تعويض إنساني
من المهم التأكيد أن العمالة الأجنبية ليست مجبرة على العمل بأجور منخفضة في السعودية؛ بل هي تحقق أرباحًا أفضل بكثير مما كانت تحصل عليه في بلدانها، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا مغريًا للشركات. لكن هذا الواقع الاقتصادي لا يجب أن يبرر إهمال تمكين المواطن الذي هو الركيزة الوطنية الأساسية.
خطوات مقترحة لإصلاح السوق وضمان العدالة
تطبيق نظام رقابي فعّال على الرواتب المعلَنة والتعاقدات الرسمية.
إلزام الشركات بتوظيف نسب محددة من الخريجين السعوديين بلا خبرة، مدعومًا بحوافز رسمية.
فرض نسب واضحة للعمالة الأجنبية تقلل من الاعتماد عليها كبديل رخيص على حساب المواطن
تعزيز التعليم التقني والمهني لربطه مباشرة بسوق العمل.
وضع آليات عقابية ضد التضييق الوظيفي على السعوديين داخل الشركات، سواء من الإدارة أو من موظفين أجانب نافذين.
الخلاصة: المواطن أولى بعمارة وطنه
القضية ليست صراعًا مع المقيمين، بل هي تصحيح لمسار طبيعي: تمكين المواطن السعودي باعتباره الركيزة الأساسية في سوق العمل المحلي.
لا يجوز أن يُستخدم الفارق الاقتصادي بين المواطنين والمقيمين كذريعة لإقصاء شباب الوطن.
ولا ينبغي أن تُمارس ضغوط على السعوديين لقبول أجور لا تعكس كفاءتهم.
أهل الدار أولى بعمارة الدار، وهذه ليست مجرد شعارات بل قاعدة أساسية لاستدامة التنمية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية.






