بقلم/ ياسر الحلوي
صدى نيوز إس ‐ جازان
تكادُ لا تُصدّق أنّ الأمسَ كانَ طفلًا يلهو بينَ أزقّةِ الحيّ، وغدًا أصبحَ كهلًا تُثقِلُه همومُ الحياةِ وتجاعيدُ السنين.
كبرنا وشِبنا، جملةٌ تختزلُ في أحرفِها آلافَ الحكاياتِ والذكريات، ومشاعرَ مختلطةً من الحنينِ والفخرِ والقبول.
في كلّ شيبةٍ حكاية، وفي كلّ تجعيدةٍ قصة.
إنّها ليست مجرّدَ علاماتٍ فارقةٍ على وجوهنا، بل هي خرائطٌ تُشيرُ إلى رحلةٍ طويلةٍ قطعناها.
خرائطٌ رُسِمَتْ بضحكاتٍ من القلب، ودموعٍ من الألم، ولحظاتٍ من الانتصار، وأخرى من الانكسار.
كلّ خيطٍ أبيضَ في شعرنا هو شاهدٌ على فجرٍ جديدٍ أشرقَ بعدَ ليلٍ طويل، وعلى درسٍ قاسٍ تعلّمناه، وعلى حلمٍ سعينا لتحقيقه.
لا يُمكننا أن نُنكرَ أنّ شيئًا ما قد تغير. لم نعد نملكُ تلكَ الطاقةَ الجامحةَ التي كانت تدفعنا لاكتشافِ المجهول، ولا تلكَ البراءةَ التي كانت تُخفي عنّا قسوةَ العالم.
لكنّنا اكتسبنا شيئًا أثمنَ بكثير: الحكمة. هذه الحكمةُ التي تأتي معَ التجارب، والتي تجعلنا ننظرُ إلى الحياةِ بعينٍ مختلفة.
عينٍ ترى الجمالَ في التفاصيلِ الصغيرة، وتُقدّرُ قيمةَ اللحظةِ الحاضرة، وتُسامحُ على الأخطاء.
قد يظنُّ البعضُ أنّ الكبرَ هو النهاية، ولكنّهُ ليسَ كذلك.
إنّه فصلٌ جديدٌ من فصولِ الحياة، فصلٌ نستطيعُ أن نعيشهُ بسلامٍ داخليٍّ.
نستطيعُ أن نُقدّمَ خبراتِنا للأجيالِ القادمة، ونزرعَ فيهم الأملَ والتفاؤل.
نستطيعُ أن نستمتعَ بالهدوءِ الذي يحيطُ بنا، ونتأملَ جمالَ الغروبِ الذي يلونُ السماءَ بألوانٍ لم نكن نراها من قبل.
كبرنا وشِبنا، ولكّننا لم نَزَلْ نُقدّرُ الحياةَ ونُحبّها.
ما زالتْ قلوبُنا تنبضُ بالأمل، وما زالَتْ أرواحُنا تتوقُ إلى المزيدِ من المغامرات، ولكنْ بطريقتنا الخاصة.
إنّها مرحلةٌ من النضجِ والوعي، مرحلةٌ نُدركُ فيها أنّ الأهمّ ليسَ كم من الوقتِ بقيَ لنا، بل كيفَ سنعيشُ هذا الوقتَ القليلَ المتبقي.






