الرياض: مشعل الثبيتي. متابعات
واصل مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “الفلسفة بين الشرق والغرب: المفاهيم، والأصول، والتأثيرات المتبادلة”، أعمالَ يومه الثاني بعقد جلسة حوارية بعنوان “الفلسفة ومركزيتها في التاريخ”، شارك فيها الأستاذ علي الرماح والأستاذة مي الناهض والأستاذ يوسف المبارك، وأدارها الأستاذ محمد العمر، وذلك ضمن البرنامج العلمي للمؤتمر.
وأوضحت الجلسة في طرحها العام أن الفلسفة، عبر تاريخها، اعتمدت على العقلانية والعملية بوصفهما إطارين لفهم تطور الحضارات وصراعها، مشيرةً إلى التأثير الكبير الذي تركه الفيلسوف هيغل في مقاربات الفلاسفة لقضية الصراع الحضاري. وطرحت الجلسة تساؤلًا محوريًا حول مسار التفكير التاريخي في حال استبعاد آثار هيغل والنظر إلى قراءات نقدية بديلة، وفي مقدمتها قراءة المفكر كارل بوبر التي تقوم على نقد المركزية المطلقة وانفتاح العقل على الآخر.
وبيّنت الجلسة أن بوبر قدّم أربعة أسس رئيسة للنقد الحضاري، أولها الانفتاح على الآخر والإنصات لحججه، مؤكدًا أن العقلانية موقف يقوم على الاستعداد للاعتراف بالخطأ وتعلّم الخبرة النقدية. كما أوضح أن الخروج من “السجون الحضارية” لا يتحقق إلا عبر نقد خارجي يسمح برؤية الذات بعيون مغايرة، وأن النقد المتبادل شرط للوصول إلى فهم أعمق للحضارات وإمكانات تطورها.
وأشار الطرح إلى أن بوبر رفض المنهج الاستقرائي التقليدي، واعتبره بحثًا عن المتشابه لا المختلف، مبينًا أن الإنسانية لا تسير نحو مزيد من الانقسام، بل نحو تحقيق مستويات أكبر من التساوي والتوافق، وأن تحويل الصراع من “السيوف إلى الأقلام” يشكّل تحولًا معرفيًا يجعل بناء الحضارات قائمًا على الحوار لا الهدم.
وأكدت الجلسة أن حوار الحضارات، رغم التقدم الذي أحرزه، ما يزال يتوقف عند حدود البحث عن التوافق، ما قد يؤدي إلى ذوبان الخصوصيات أو إلى اتجاهات متطرفة، وأن الانغلاق يعيد إنتاج الذات كما هي، في حين أن العقلية النقدية تتيح اختيار ما يجب الحفاظ عليه أو تعديله أو تجاوزه، باعتبار أن النقد عنصر ثابت في حركة الفكر.
وتطرقت الجلسة كذلك إلى مفهوم “اللّا” الفلسفية بوصفها مدخلًا لإنتاج المعرفة، إذ لا تنبع من الرفض المجرد، بل من الوعي والقدرة على الفهم، وأن بلوغ الفكرة المطلقة لا يمثل ذروة التفكير بل نهايته، فيما تمثل “اللا” وقودًا لحركة الفكر وتجدّد أسئلته. كما أشارت إلى عدد من الآليات التي تمنع ظهور “اللامفكر فيه”، ومنها الفكرة المعزولة، والمقدسة، والبديهية، باعتبارها مناطق مغلقة تحول دون مساءلة المفاهيم.
واستعرضت الجلسة جانبًا من موضوعات الفلسفة الشرقية، مشيرةً إلى دور مقولة القطيعة المعرفية، وإلى أن الفلسفة اليونانية — كما عُرفت تاريخيًا — ارتبطت بطريقة جذرية في التساؤل حول الوجود، وأن مصطلح الفلسفة لم يظهر إلا مع سقراط وأفلاطون. وأوضحت الجلسة أن القطيعة المعرفية أسهمت في إضعاف إمكانية الانتماء الفكري لدى الإنسان، وأن “النفسية الغربية” ما تزال تخوض معركة لم تُحسم بعد في إعادة تعريف علاقتها بالماضي والمعرفة.






