الرئيسية مقالات أبشر بعزّك

أبشر بعزّك

52
0

 

ا/محمد باجعفر

جازان /صدى نيوز إس

كلمة قالها صديقي يوم كان مزاجه عاليًا، وصوته ممتلئًا بالضحك، وكأنه فارس لا تُكسر له كلمة، ولا يتراجع عن وعد.

قالها بثقة من يظن أن الكلام بطولة، وأن إطلاق الوعود نوع من الكرم الذي لا يُحاسَب عليه أحد.

كنت أستمع إليه وأقول: هذا هو الظهر الذي أستند إليه وقت الحاجة، هذا الذي يكفي أن أناديه ليقف.

كنت مخدوعًا بالبريق الذي يصاحب الكلمات الكبيرة.

لكن…

حين حان وقت “العزّ” الذي وعدني به،

حين جاء اليوم الذي كان من المفترض أن يظهر فيه معنى الرجولة والموقف…

اختفى.

لم يتردد، لم يتلعثم، لم يحاول حتى أن يبرّر.

فقط… اختفى.

كأنه لم يقل شيئًا، وكأن كل ما قاله كان مجرد صدى خرج من فمه ليملأ الجو ثم يموت في الهواء.

كنت أحادثه من مصر،

والمسافات بيننا واسعة، نعم…

لكنّ المسافة لم تكن يومًا حاجزًا بين القلوب التي تعرف قيمتها.

كنت أرسل له كلماتي وأشعر أن المسافة تُطوى بيننا، وأن الصداقة تكسر حدود المكان.

كنت أصدّق أن هناك من يظل قريبًا مهما ابتعد…

حتى جاءت تلك اللحظة التي كشفت أن القرب الحقيقي لا يُعرف إلا وقت الشدّة.

في اللحظة التي احتجته فيها،

في اللحظة التي ظننت أنه سيظهر فيها كما اعتاد أن يتحدث…

تبدد كل شيء.

سقط القرب، وتبخّر الوعد، وظهر الوجه الحقيقي لكل كلمة قالها من قبل.

اكتشفت فجأة أن المسافة ليست بين مصر وبلده،

وليست بين ساعة وأخرى،

بل بين قلبٍ يأخذك على محمل الجد…

وقلب لا يرى حضورك أصلاً.

تلك اللحظة كانت فاضحة،

كشفت حجم الخذلان،

ووضعتني أمام حقيقة أنني كنت أصدّق وهماً صنعته بنفسي.

كنت أظن أن الأرواح تتقارب،

لكن يبدو أن بعض الأرواح لا تعرف القرب إلا عندما لا يُطلب منها شيء.

تعرف كيف تكون معك في الضحك،

لكنها تُدير ظهرها عندما يطلب الموقف حضورًا، لا صوتًا فارغًا.

وهكذا…

صار أبعد من البعيد،

أبعد من المسافة التي تفصلني عنه،

وأبعد من الزمن الذي مرّ بين كلمة قالها… وموقف لم يستطع أن يثبتها.

صار البعد بيننا ليس بعدًا جغرافيًا ولا زمنيًا،

بل بُعدًا يصنعه الصدق حين يغيب،

وبعدًا تُشيّده خيبة تُغيّر شكل الأشياء في القلب.

وتحوّلت “أبشر بعزّك” إلى حقيقة جديدة:

كلمة بلا معنى،

وعد بلا روح،

وصديق لم يكن صديقًا إلا في اللحظات التي لا تتطلب شيئًا منه.

وانتهت القصة إلى درسٍ واحد لا تحتاج لنصيحة بعده:

ليس كل من يقول “أنا معك”… يكون معك.

وليس كل من يرفعك بكلامه… يستطيع أن يقف بجانبك عندما تسقط.