بقلم محمد أبو حريد
ليس كل خبرٍ يُكتب ليُعلن نهاية،
فهناك أخبارٌ تُكتب وفاءً،
وتُقال احترامًا،
وتُروى لأن أصحابها تركوا أثرًا أكبر من الغياب
بهذه الروح، نكتب اليوم عن حياة عسيري…
الاسم الذي عرفه الناس،
وسحر عسيري… الحقيقة التي عاشت الألم بصمت، وتركت خلفها سيرةً نقيّة، وقصةً لا تُنسى.
لم تكن حياة مجرّد فتاة حاضرة في وسائل التواصل، بل كانت حالة إنسانية نادرة؛ طاقة إيجابية، وقلبًا عامرًا بالحمد، ولسانًا لا يسبق عليه إلا ذكر الله. عاشت سنواتها الأخيرة وهي تواجه ابتلاءً ثقيلًا؛ مرض السكري، وما تبعه من فشلٍ كلوي، وجلسات غسيل أنهكت الجسد ولم تُضعف الروح.
كانت تُجاهد،
وتصبر،
وتحتسب،
وتخرج للناس بابتسامةٍ تسبق الألم، وكلماتٍ تداوي غيرها قبل أن تبحث عن دواءٍ لنفسها.
كانت تعلم أن الرسالة أثمن من العمر، وأن الأثر أبقى من الجسد، فاختارت أن تكون نورًا حتى وهي تتألم.
هي بنت عسير،
ابنة الجبال التي تعلّمت منها الثبات،
وابنة الجنوب الذي يعرف كيف يُنبت الصبر في القلوب.
كانت تشبه أرضها في صفائها، وتشبه ناسها في صدقهم، وتحمل ولاءً صادقًا لله أولًا، ثم لمليكها ووطنها، دون ادّعاء أو تكلّف.
لم تكن قصتها قصة مرض،
بل قصة إيمانٍ عميق.
ولم تكن حكايتها وجعًا عابرًا،
بل درسًا صامتًا في الرضا، ورسالةً صادقة في التسليم لقضاء الله، وفي كيفية تحويل الألم إلى معنى.
وحين يغيب أمثال سحر، لا يكون الغياب خبرًا عاجلًا، بل لحظة صمتٍ طويلة، يدرك فيها الجميع أن بعض الأرواح حين ترحل، تترك فراغًا لا يُملأ، وحنينًا لا يهدأ، وذكرى لا تموت.
غيابها جعل القلوب أكثر وعيًا بقيمة النعمة، وأكثر اقترابًا من معنى الشكر.
إننا إذ نكتب هذا الوفاء، لا نرثي جسدًا غاب، بل نُخلّد أثرًا بقي، وننحني احترامًا لروحٍ صادقة، صبرت حتى آخر لحظة، ولم تغيّرها قسوة الابتلاء، بل زادتها نقاءً وصدقًا.
نعزّي أنفسنا،
ثم نعزّي أهلها وذويها،
وكل من أحبّها، وكل من تعلّم منها معنى الحمد في زمن الشدّة، ومعنى الصبر حين يطول الانتظار.
نسأل الله أن يجعل ما أصابها رفعةً في درجاتها، ونورًا في قبرها، وأن يغفر لها، ويرحمها، ويجعل مثواها الجنة، وأن يجزيها عن صبرها أعظم الجزاء.
حياة رحلت عن العيون،
لكن سِحرها بقي في القلوب،
وذلك هو الخلود الحقيقي.
إنا لله وإنا إليه راجعون






