الرئيسية مقالات تأثير المحتوى الإيجابي في منصات التواصل

تأثير المحتوى الإيجابي في منصات التواصل

43
0

 

متابعه / عبدالله الذيابي

الطائف

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات الرقمية، وتغدو فيه منصات التواصل الاجتماعي المصدر الأول لتشكيل الرأي العام والتأثير في المزاج الجمعي، يبرز المحتوى الإيجابي بوصفه أحد أهم الأدوات الناعمة القادرة على إعادة التوازن إلى الفضاء الرقمي. فوسط سيل الأخبار المتلاحقة، والجدل المستمر، والمضامين المشحونة بالقلق والتوتر، تزداد حاجة المجتمعات إلى خطاب إعلامي إنساني يعيد الاعتبار لقيمة الكلمة، ويمنح المتلقي مساحة من الطمأنينة والوعي.

لم تعد منصات التواصل مجرد أدوات للتسلية أو تبادل الآراء، بل تحولت إلى بيئة مؤثرة في تشكيل السلوك الفردي والاجتماعي، ومرآة تعكس الحالة النفسية للمجتمع. ومن هذا المنطلق، فإن المحتوى الإيجابي لا يُعد ترفًا إعلاميًا أو خيارًا ثانويًا، بل ضرورة ملحّة تفرضها طبيعة المرحلة وما تحمله من ضغوط نفسية ومعرفية متزايدة. فالكلمة الطيبة، مهما بدت عابرة، تملك أثرًا عميقًا قد يلامس إنسانًا في لحظة ضعف، والنصيحة الصادقة قد تكون سببًا في تغيير مسار تفكير أو تخفيف عبء نفسي ثقيل.

المحتوى الإيجابي لا يقوم على إنكار الواقع أو تزييفه، بل ينطلق من الاعتراف بالتحديات، مع تقديمها برؤية متزنة وأسلوب واعٍ يفتح باب الأمل بدلًا من تعميق الإحباط. وهو في ذلك يعكس نضجًا إعلاميًا، يوازن بين نقل الحدث ومسؤولية التأثير. فالإعلام، بمختلف أشكاله، لا يقتصر دوره على الإخبار، بل يمتد إلى بناء الوعي وترسيخ القيم، وهنا تتجلى أهمية المحتوى الإيجابي بوصفه شريكًا في صناعة بيئة رقمية أكثر إنسانية.

وعندما ينتشر محتوى يتضمن دعاءً صادقًا، أو رسالة دعم، أو تجربة ملهمة، نلحظ تفاعلًا لافتًا من الجمهور، لأن المتلقي بطبيعته يميل إلى ما يخفف عنه ثقل الحياة اليومية. هذا التفاعل لا يعكس ضعفًا أمام الواقع، بل حاجة فطرية للشعور بأن الخير لا يزال حاضرًا، وأن هناك من يشاركه الإحساس ويعبّر عمّا يختلج داخله.

ومن هنا، يسهم المحتوى الإيجابي في بناء جسور غير مرئية من التعاطف والتواصل بين الأفراد، تتجاوز حدود المكان والزمان.

كما يؤدي هذا النوع من المحتوى دورًا محوريًا في إعادة تعريف العلاقة بين صانع المحتوى والمتلقي. فالمتابع لا يعود مجرد رقم في معادلة المشاهدات، بل يصبح طرفًا فاعلًا في مجتمع رقمي صغير، تحكمه قيم الاحترام المتبادل والاهتمام الصادق.

هذه العلاقة الإنسانية تُعد من أهم مكاسب المحتوى الإيجابي، لأنها تعزز الثقة، وتخلق حالة من الاستمرارية والولاء القائم على التقدير لا على الجدل أو الاستفزاز.

ومن زاوية أخرى، يرسّخ المحتوى الإيجابي قيم الصبر والمرونة النفسية، ويعزز القدرة على التكيف مع المتغيرات.

ففي عالم لا تخلو أيامه من الأخبار المقلقة والتحديات المفاجئة، يصبح نشر كلمة طيبة أو فكرة ملهمة فعلًا واعيًا يعكس إدراكًا عميقًا لمسؤولية الكلمة وأثرها. هذا الوعي لا ينعكس فقط على المتلقي، بل يعود على صانع المحتوى ذاته، إذ يدفعه إلى التفكير بهدوء أكبر، والتفاعل مع الواقع بقدر أعلى من الاتزان.

ولا يقتصر تأثير المحتوى الإيجابي على دائرة المتابعين المباشرين، بل يمتد إلى محيطهم الاجتماعي. فالشخص الذي يستمد شعورًا بالطمأنينة أو الأمل من منشور ما، قد ينقل هذا الأثر إلى أسرته أو أصدقائه، سواء عبر المشاركة أو الحوار، ليصبح المحتوى حلقة في سلسلة ممتدة من التأثير الإيجابي. وهكذا تتحول الكلمة إلى طاقة متحركة، يتضاعف أثرها كلما انتقلت من شخص إلى آخر.

وفي ظل التحديات التي تواجه الإعلام الرقمي، من انتشار الأخبار المضللة، وتضخم الخطاب السلبي، وتراجع الثقة في بعض المحتويات، يبرز المحتوى الإيجابي كعنصر داعم لاستعادة التوازن وبناء وعي جمعي أكثر نضجًا. فهو لا يختزل الواقع في صورة قاتمة، ولا يقدّم حلولًا وهمية، بل يذكّر بأن لكل أزمة جانبًا إنسانيًا، ولكل ظرف قاسٍ فرصة للتفكير الهادئ والتكاتف المجتمعي.

يمكن القول إن المحتوى الإيجابي لم يعد مجرد خيار أخلاقي أو توجه شخصي، بل أصبح ضرورة إعلامية واجتماعية في عصر التأثير الرقمي.

فهو قوة ناعمة قادرة على تخفيف الضغوط اليومية، وبناء روابط قائمة على الاحترام والتعاطف، وترسيخ الأمل في الذاكرة الجمعية. وفي عالم يزداد فيه الضجيج، تبقى الكلمة الإيجابية صوتًا مختلفًا، هادئًا لكنه عميق الأثر، يذكّرنا بأن الخير لا يزال ممكنًا، وأن لكل فعل طيب، مهما بدا بسيطًا، قدرة حقيقية على إحداث فرق

قصص النجاح الصغيرة في الحياة اليومية .

بقلم الأستاذة : زهور بندق