الرئيسية مقالات العشر الأواخر من رمضان: أيام الرحمة والمغفرة والعتق من النار

العشر الأواخر من رمضان: أيام الرحمة والمغفرة والعتق من النار

41
0

 

الكاتب / خضران الزهراني

رمضان بين البدايات والنهايات

كنا منذ أسابيع نستقبل رمضان بفرح، نترقب ساعاته بشغف، ونتمنى أن نغتنم كل لحظة فيه. كنا نخطط لكيفية استغلال أيامه ولياليه، نضع أهدافًا روحية، ونعد أنفسنا لرحلة إيمانية عميقة. لكن، ما أسرع ما تمضي الأيام! فها نحن الآن في العشر الأواخر، نقف على مشارف وداع هذا الشهر الفضيل، بين خوف من التقصير ورجاء في الرحمة والمغفرة.

أيام مضت كلمح البصر

شهر رمضان ضيف خفيف، يحل علينا كنسمة باردة في صيف قائظ، وما إن نبدأ في التكيف معه حتى يوشك على الرحيل. منذ أول يوم، كنا نُعد العدة لاستقبال خير الشهور، فامتلأت المساجد بالمصلين، وانشغل الناس بالقرآن والذكر، وسادت الأجواء الروحانية في كل مكان. لكن الأيام مضت، وانشغل البعض بالدنيا، فتراخت العزائم شيئًا فشيئًا، وجاءت العشر الأواخر لتنبه الغافلين، وتوقظ النائمين، وتمنح الصادقين فرصة ذهبية لتعويض ما فات.

العشر الأواخر: فرصة العمر

هذه الليالي ليست كغيرها من الليالي، فهي مسك الختام، وهي الأمل الأخير لمن يريد أن يكفر عن تقصيره فيما مضى. فيها ليلة خير من ألف شهر، ليلة واحدة تعادل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة! فهل هناك فرصة أعظم من هذه؟ من فاته الاجتهاد في أول الشهر، فليغتنم هذه الأيام العظيمة، ففيها تتنزل الرحمات، وتُعتق الرقاب، وتُكتب الأقدار، وترتفع الأعمال إلى الله.

ليلة القدر: سرّ العشر الأواخر

ما أعظمها من ليلة، ليلة اختصها الله بفضله، فأنزل فيها القرآن، وجعلها خيرًا من ألف شهر. فيها تتنزل الملائكة، وتسود السكينة، وتُجاب الدعوات، وتُغفر الذنوب لمن اجتهد فيها بصدق وإخلاص. لكن الله أخفى موعدها لحكمة عظيمة، حتى يجتهد العباد في كل الليالي، فلا يقتصرون على ليلة واحدة، بل يستمرون في العبادة والتضرع طوال العشر الأواخر، لعلهم يصيبون فضلها العظيم.

كيف نغتنم العشر الأواخر؟

في هذه الليالي المباركة، يجب أن نضاعف الجهد، ونتجنب كل ما يضيع أوقاتنا. فلنحرص على قيام الليل، والإكثار من الذكر والاستغفار، وتلاوة القرآن، والدعاء بإلحاح، خاصة بالأدعية الجامعة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني. ولنجتهد في الصدقة، وصلة الرحم، ومساعدة المحتاجين، فقد يكون عمل بسيط في هذه الأيام سببًا في مغفرة عظيمة.

وداع رمضان ودموع الفراق

كلما اقتربت نهاية رمضان، شعر المؤمن بحزن يملأ قلبه، كيف لا وقد كان هذا الشهر فرصة لتطهير النفس والقرب من الله؟ كيف لا نحزن ونحن لا نعلم إن كنا سنعيش حتى نبلغه العام المقبل؟ لكن العزاء الوحيد هو أن نخرج منه بزاد إيماني يكفينا حتى رمضان القادم، وأن نودعه بعمل صالح، وقلوب عامرة بالإيمان، وألسنة رطبة بذكر الله، ونيات صادقة للاستمرار في الطاعة بعده.

اللهم لا تجعل رمضان يرحل إلا وقد غفرت لنا، وتقبلت أعمالنا، وكتبتنا من عتقائك من النار. اللهم اجعلنا ممن يدركون ليلة القدر، وممن تغفر لهم ذنوبهم، وتكتب لهم السعادة في الدنيا والآخرة. آمين.