بقلم المهندس ابراهيم آل كلثم الصيعري
١٦ /١٠/ ٢٠٢٤ م
يختلف الرؤساء والمديرون في أسلوب إدارتهم، سواءً للعمل أو للعاملين تحت إدارتهم. فمنهم الموفق المتميز بأسلوب إدارته، مما يجعل العاملين معه يُقبلون على عملهم بأنفس راضية، وبروح التفاني والإخلاص، بما يعود على العمل بالفائدة المرجوة. ومنهم من لا يفقه من الإدارة إلا السلطة المطلقة دون مراعاة لمصلحة العمل أو العاملين معه. ومن خلال تجربتي الخاصة، أذكر موقفين على طرفي نقيض؛ أحدهما يعبر عن طريقة إدارة ناجحة، والآخر على النقيض منها.
كان الموقف الأول مع أحد الرؤساء الأمريكيين، وهنا لا بد من التنويه إلى أن الأمر لا يتعلق بجنسيته بل بشخصه، فهم في ذلك ليسوا سواء. كنا نعمل تحت إدارته بأريحية تامة، فلا هو يدقق علينا، ولا نحن نترقب انتهاء وقت العمل من أجل الخروج. بل كنا نستمر في العمل حتى بدون مقابل، بحسب ما يتطلبه إنجاز العمل المطلوب. وحدث ذات مرة، في أحد أيام شهر رمضان الكريم، أن أتى أحد الزملاء متأخراً بما يقارب الساعتين أو يزيد، فذهب مباشرةً إلى الرئيس معتذراً عن التأخير، مبرراً ذلك بالسهر لأداء صلاة التراويح والقيام. فكان الرد مفاجئاً، إذ قال له: لو لم تخبرني لما علمت، فأنا أتعامل معكم على أنكم مهنيون professionals لا تحتاجون إلى إشراف. فلما أخبرني زميلي بما دار بينهما، خطرت على بالي فكرة، فتوجهت إلى الرئيس وعرضت عليه فكرتي وهي استثنائي من ساعات العمل المحددة للمسلمين من الساعة ٧ صباحاً وحتى ١ بعد الظهر، واستبدالها بالحضور من ١٠ صباحاً وحتى ٤ بعد العصر، مبرراً ذلك بظروف الشهر الفضيل وطبيعة عملي التي لا تتطلب الالتزام بوقت محدد. ففكر قليلاً ليجد أنه لا ضرر على العمل فيما يحقق للعامل راحته في أداء عمله، فوافق دون تردد. وكانت النتيجة أنني كنت أستمر في العمل بعد الدوام حتى قبيل وقت الإفطار.
أما الموقف المعاكس، فحدث عندما غادرنا هذا الرئيس ليحل محله شخص آخر بعقليةٍ إداريةٍ مختلفة، انكشفت من أول موقف. إذ صادف الوقت حينها عطلة الربيع المدرسية، فأحببت أن آخذ بعض الأيام إجازة من رصيدي. فرد علي معتذراً بأنه سبق أن وافق لموظفين اثنين، ولا يستطيع الموافقة لي إضافةً لهما. فأخبرته، كونه رئيساً جديداً للإدارة، بأن الشخصين اللذين وافق لهما يشكلان فريقاً واحداً، وأنه لم يتبقَ في فريقهما أحد، بينما نحن الاثنان في فريقي ما زلنا متواجدين ولم يخرج منا أحد. لكنه تمسك برأيه، وأخذ يسوق المبررات التي لا معنى لها ولا علاقة لها بمصلحة العمل أو راحة العامل، قائلاً: هناك من يدقق علي كما أدقق عليكم. وكانت المعنويات قبل هذا الموقف قد تغيرت، ولم تعد كما كانت في عهد الرئيس السابق. فصارحته بحقيقة الموقف، ولكنه لم يأخذ كلامي على محمل الجد.
وقد ثبت أن تحقيق الراحة المعنوية والنفسية للعامل يعود على العمل بالفائدة، وبالتالي فإن أنجح أنواع الإدارة هي الإدارة بالأهداف والإنجازات. فالإدارةُ ليست مجرد متابعة للتقيدِ بأوقات الحضور والانصراف، ما لم يكن إنجاز العمل مرتبطاً بالساعات المحددة للدوام.