الرئيسية سياحة صدر المزاودة… ذاكرة الجبل وروح الوادي

صدر المزاودة… ذاكرة الجبل وروح الوادي

13
0

 

الإعلامي/ خضران الزهراني/ الباحة

في قلب الجنوب السعودي، حيث يلتقي الحنين بجمال الطبيعة، وتتناثر القرى على قمم الجبال كأنها عقد من نور، هناك قرية تُدعى “صدر المزاودة”، تنام على كتف وادٍ أخضر، وتستيقظ كل صباح على صوت الطيور وهمسات الريح التي تعبر بين أغصان البن والموز.

تقع هذه القرية الوادعة في منطقة الباحة، ضمن مركز المحمدية بمحافظة قلوة، وتُعد من قرى قبيلة بيضان العريقة. لكنها ليست كأي قرية… بل قطعة من الذاكرة، ومشهد لا يُمحى من ذاكرة المكان.

 

ما يميز “صدر المزاودة” ليس فقط موقعها الجغرافي الفريد، الذي يحتضنها على ارتفاع شاهق في منتصف جبل يطل على وادي دوقة، بل ما تحمله من حياة هادئة، وأصالة مترسخة، وعطاءٍ من الأرض لا ينضب. أجواؤها معتدلة في الصيف، منعشة في الشتاء، وكأن الفصول هناك تتآلف مع أهلها، فتمنحهم الطمأنينة طوال العام.

 

القرية ببيئتها الزراعية الخصبة تُشبه لوحة مرسومة بريشة فنان حالم. تنتشر فيها أكثر من ثلاثين مزرعة، تفيض بثمارها، وتشمخ بأشجار البن التي تُغذيها قطرات الندى كل صباح. ومن بين هذه المزارع تبرز مزرعة الأستاذ صالح بن علي الزهراني، التي تفوح منها رائحة القهوة الطازجة، وتحمل على أغصانها ما يزيد عن 650 شجرة بن، تُعطي وتُثمر، وتروي حكاية جيل يُحب الأرض ويصونها.

 

لا تُعد “صدر المزاودة” فقط مكانًا للزراعة والهدوء، بل هي وجهة يتوق إليها زوار الشتاء، ممن يهربون من ضجيج المدن وضغوط الحياة، ليجدوا هناك دفء المكان، ودفء الاستقبال. يجلس الزائر بين أهل القرية، يتذوق ثمارهم، يشرب قهوتهم، ويستمع إلى القصص التي تحكيها الحجارة القديمة والحقول الهادئة.

 

وما إن يحل المساء، حتى يبدأ الجبل في رواية قصته… ضوء القمر يُلقي بظله على المزارع، وصدى الأصوات يتردد بين الصخور، كأن الطبيعة كلها تشارك في طقسٍ من الحنين والسكينة.

في “صدر المزاودة”، لا تُقاس الحياة بالأيام، بل بالمواقف والذكريات. هناك، يُفهم معنى الانتماء، وتُدرك قيمة الأرض، ويتعلم الإنسان أن الجمال الحقيقي لا يُشترى، بل يُعاش.

هكذا تبقى “صدر المزاودة” شامخة، كما الجبل الذي يحتضنها، تنبض بالحياة، وتُحافظ على هويتها، وتهمس في أذن الزائر: هنا الجذور، وهنا السلام.