في عالم يتغير بسرعة البرق، أصبحت التكنولوجيا رفيقنا الدائم، تتسلل إلى أدق تفاصيل حياتنا اليومية، حتى باتت تتحكم في العديد من جوانب صحتنا ولياقتنا البدنية. في هذا العصر الرقمي الذي يسرّع وتيرة الحياة، هل فقدنا التوازن بين استخدام التكنولوجيا والاعتناء بصحتنا؟ كيف يمكن للتقدم التكنولوجي، الذي سهّل علينا مهام كثيرة، أن يؤثر سلبًا على جودة حياتنا اليومية؟ هذه المقالة تهدف إلى إلقاء الضوء على هذا السؤال الحيوي، ومناقشة تأثير التكنولوجيا على نمط الحياة الصحي، من حيث الحركة، والنوم، والعادات اليومية، وكيفية استعادة التوازن المفقود.
الجلوس: عدو الصحة الذي لا نشعر به
أصبحت الكثير من الأنشطة اليومية مرتبطة بالجلوس أمام شاشات الحواسيب أو الهواتف الذكية. نحن نعمل، نتسوق، نتعلم، ونتواصل اجتماعيًا بينما نجلس ثابتين لساعات طويلة. لم تعد الأنشطة البدنية جزءًا رئيسيًا من حياتنا اليومية. لكن الخطر يكمن في أن الجلوس لفترات طويلة قد يتحول إلى “العدو الصامت” لصحتنا.
الدراسات الطبية الحديثة أثبتت أن قضاء وقت طويل في الجلوس، خاصة دون فواصل قصيرة للحركة، يزيد من مخاطر الإصابة بمشاكل صحية كبيرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، السمنة، وحتى مشاكل العمود الفقري. وعلاوة على ذلك، يصبح الجسم أقل قدرة على حرق السعرات الحرارية، ما يؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم وظهور مشاكل الوزن الزائد.
الأمر لا يتوقف هنا، فالجلوس المطوّل يؤدي أيضًا إلى تقليل نشاط الدورة الدموية، ما يسبب ضعف في حركة الأوعية الدموية، ويؤدي إلى إرهاق العضلات والمفاصل. هذا يؤثر سلبًا على الأداء الجسدي بشكل عام ويجعلنا نشعر بالخمول والكسل.
التكنولوجيا وحركة الإنسان: تناقص النشاط البدني
الراحة التي وفرتها لنا التكنولوجيا قلّصت من الحركة اليومية بشكل كبير. على سبيل المثال، أصبح بالإمكان القيام بالكثير من المهام بضغطة زر واحدة. هل تذكر الأيام التي كان عليك أن تذهب إلى المكتبة للحصول على كتاب؟ الآن، يمكنك قراءة الكتب من هاتفك أو جهازك اللوحي دون أن تتحرك. حتى الأعمال المنزلية أصبحت أسهل بفضل الأجهزة الذكية.
التكنولوجيا لم تجعل فقط المهام اليومية أكثر سهولة، بل ألغت الحاجة للحركة الجسدية في العديد من الأنشطة. منصات التسوق الإلكتروني توفر كل ما نحتاجه بدون الحاجة للخروج من المنزل. حتى بعض الأنشطة الترفيهية، مثل الألعاب الرياضية، أصبحت تقتصر على الشاشات، حيث يمكن للأطفال والكبار على حد سواء ممارسة الألعاب الإلكترونية بدلًا من النشاط البدني.
ومع ذلك، هناك تأثير نفسي أيضًا. الاعتماد المفرط على التكنولوجيا يقلل من الدافع الشخصي للحركة والمشي، مما يؤدي إلى نمط حياة مستقر يزيد من مشكلات السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم.
الأجهزة الذكية والنوم: كيف تؤثر الشاشات على راحة عقولنا؟
التكنولوجيا ليست فقط تحديًا للحركة، بل تؤثر أيضًا على جانب آخر من جوانب صحتنا: النوم. أصبح من المعتاد لدى العديد منا تصفح الإنترنت أو مشاهدة الأفلام والمسلسلات قبل النوم. ولكن ماذا عن تأثير ذلك على جودة النوم؟
الدراسات أثبتت أن الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية يؤثر سلبًا على مستويات هرمون الميلاتونين، الذي يُعرف بهرمون النوم. هذا التأثير يقلل من قدرتنا على الاسترخاء والنوم بسهولة. وبمرور الوقت، يؤدي ذلك إلى اضطرابات في النوم، وقد ينتج عنه الأرق المزمن.
ومن بين المشاكل الشائعة الأخرى المرتبطة بالنوم واستخدام التكنولوجيا، زيادة التعب والإرهاق، صعوبة الاستيقاظ في الصباح، وتأثير ذلك على الأداء اليومي والإنتاجية. يصبح الجسم غير قادر على التعافي بشكل صحيح، ما يؤدي إلى تدهور الصحة العامة.
العادات الرقمية ومستقبل صحتنا النفسية
بجانب التأثيرات الجسدية، فإن التكنولوجيا تؤثر بشكل كبير على صحتنا النفسية. الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية يسبب شعورًا متزايدًا بالعزلة الاجتماعية، حيث يكتفي الكثيرون بالتواصل عبر الشاشات بدلًا من اللقاءات الشخصية. هذا النمط يؤدي إلى انخفاض مستوى التفاعل الاجتماعي الفعلي، ويؤثر على الروابط العاطفية مع الآخرين.
بالإضافة إلى ذلك، تتسبب مواقع التواصل الاجتماعي في ظهور مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب. المحتوى المعروض على هذه المنصات يؤدي في كثير من الأحيان إلى مقارنة غير صحية بين المستخدمين وحياتهم الشخصية وحياة الآخرين، ما يضع ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الفرد.
استعادة التوازن: كيف نحافظ على صحتنا في ظل العالم الرقمي؟
مع كل هذه التحديات التي فرضتها التكنولوجيا، السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا استعادة التوازن بين استخدام التكنولوجيا والاهتمام بصحتنا؟ لحسن الحظ، هناك عدة خطوات يمكن اتباعها لتحقيق هذا التوازن:
1. تخصيص وقت للحركة: حتى وإن كنت تقضي ساعات طويلة في العمل أو الدراسة أمام الشاشة، من المهم أن تقوم بتخصيص وقت للحركة. يمكنك ممارسة التمارين الخفيفة أو المشي لمدة قصيرة كل ساعة. إذا كان من الصعب ذلك، حاول إدخال بعض الأنشطة البدنية في روتينك اليومي.
2. الحد من وقت الشاشة: أحد أهم الحلول هو إدارة وقت استخدام الأجهزة. حدد فترات معينة خلال اليوم لاستخدام الهواتف الذكية والحواسيب، واحرص على عدم استخدامها قبل النوم بساعة على الأقل.
3. الانخراط في الأنشطة الاجتماعية: لتعزيز صحتك النفسية، حاول البقاء على تواصل فعلي مع أصدقائك وعائلتك. التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة للتواصل، ولكن اللقاءات الشخصية أكثر فاعلية في بناء الروابط الاجتماعية.
4. تعزيز بيئة النوم: يمكنك تحسين جودة نومك من خلال خلق بيئة مناسبة للنوم بعيدًا عن التكنولوجيا. جرب وضع الهاتف بعيدًا عن السرير، واحرص على أن تكون غرفتك مظلمة وهادئة للحصول على راحة تامة.
5. التحكم في المحتوى الرقمي: لتحسين صحتك النفسية، قم بتحديد نوعية المحتوى الذي تتابعه على الإنترنت. تجنب متابعة الحسابات التي تسبب لك القلق أو الضغط، وركز على محتويات تحفزك وتدفعك نحو الإيجابية.
خلاصة
التكنولوجيا، رغم فوائدها الكبيرة في تحسين حياتنا وتسهيل المهام اليومية، تفرض علينا تحديات كبيرة تؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية. من الضروري أن نتعامل معها بوعي وأن ندرك تأثيراتها على نمط حياتنا. التوازن بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على صحتنا يكمن في تبني عادات صحية جديدة تتناسب مع الواقع الرقمي المعاصر.
عندما نخصص وقتًا للحركة، نحد من استخدام الأجهزة قبل النوم، ونعزز التواصل الفعلي، يمكننا استعادة التوازن الذي نحتاجه للحفاظ على صحتنا في عصر الرقمنة.
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي.
عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي
21-10-2024