الرئيسية مقالات التشويه للموروث الجيزاني: عبث الدخلاء وتغيير معالم الرجولة

التشويه للموروث الجيزاني: عبث الدخلاء وتغيير معالم الرجولة

298
0

 

أحمد علي بكري

إن التراث الجيزاني ليس مجرد رقصات شعبية تُؤدى، أو ملابس تُرتدى، بل هو تجسيد حي لرجولةٍ متجذّرة، وهويةٍ تُروى عبر الأجيال. إنه مزيج من الأصالة والعزة، صقلته المواقف، وأعطته ميادين الحرب معناه، حيث كانت الرقصات الشعبية — كـ”العرضة” و”الزيفة” — تُمارس لا لمجرد الترفيه، بل كطقوس معنوية تُلهب الحماسة وتُشحذ الهمم قبيل المواقف العظيمة.

لكن، وبكل أسف، نجد اليوم من يسعى — بجهل أو مغالطة أو ادعاء — إلى تمييع هذه الصورة الأصيلة، وإدخال مفاهيم دخيلة على هذا التراث العريق. لقد رأينا رقصات مستوردة من بيئات لا تمت للمنطقة بصلة، تُلبس لبوس “التراث الجيزاني”، وتُقدم بلباسٍ لا يحمل من الرجولة إلا الاسم، بل ويخلّ بأبسط قيم الشهامة والفروسية التي كانت تُمثلها هذه العروض الحربية قديماً.

الأدهى من ذلك أن البعض — وهم ليسوا من أبناء المنطقة — يتصدرون المشهد ويزعمون تمثيل هذا الإرث، مدّعين أن ما يقدمونه هو من صميم “الموروث الجيزاني”، في الوقت الذي يُقصى فيه أهل الميدان الحقيقيون، أصحاب الذاكرة الحية والفهم العميق لهذا التراث.

هذا التلويث المتعمد أو المغرور — مدفوعًا بحب الظهور أو تقليد الآخرين — لا يخدم الهوية الجيزانية، بل يُضعفها ويشوّه صورتها في الوعي الجمعي. والموروث، إذا لم يُصن ويحفظ بهويته الأصيلة، يتحول إلى مسخٍ هزيل، تتقاذفه الأهواء وتعبث به الأيدي غير الأمينة.

إننا اليوم أمام مسؤولية جماعية، تبدأ من أبناء المنطقة أولاً، ثم الجهات الثقافية والإعلامية، للحفاظ على النقاء الفني والتاريخي للرقصات الشعبية الجيزانية، وإبرازها كما كانت: رمزًا للقوة، وشاهداً على تاريخ مشرف من الرجولة والكرامة.

يقول الراس لا صاحوا رجاجيل الحرب

نسمع صدى الطبل ونمشي على الموت

 

و اكملت عليها من كلماتي:

 

نقابل العِز والهيبة على حد الدرب

ما نرخص المجد لو خان الزمن صوت

 

لنا المواقف كما السيف إن لمع ضرب

حاضر على العز ما نرضى به سكوت

 

من جيل لجيل ما غابت سنين الذهب

نبني على الطيب ودايم على ثبوت

 

ما نلبس الزيف لو جا في قلوبه طرب

تراثنا دين، ما هو لعبة بيد هلفوت

 

الرقصة اللي تهز الميدان وقت الكرب

ما هي تمايل، ولا فنٍّ بلا شرع مثبوت