الإعلامي/ خضران الزهراني
:أنا الشاب الذي لا يتنكر لأصله، ولا يلبس أقنعة ليقنع الآخرين بما ليس فيه. منذ زمن وأنا أعيش وفقًا لمبدأ واحد لا أساوم عليه: أن أكون نفسي، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، وأن أقبل نفسي كما هي دون الحاجة لتقليد الآخرين أو تبني شخصيات ليست لي. لا يهمني أن أكون في نظر الآخرين أكثر جمالًا أو أكثر نجاحًا، فلا شيء أقدس عندي من أن أكون صادقًا مع نفسي، وهذا وحده كافٍ ليشعرني بالسلام الداخلي الذي لا يمكن لأحد أن يهبني إياه، ولا حتى العالم كله.
منذ بداية حياتي، علمتني التجارب أن المظاهر سراب، وأن الإنسان لا يقاس بما يرتديه من ملابس فاخرة أو كم هو بارع في إخفاء ضعفه وراء كلمات معسولة. هذا لا يعني أنني ضد الجمال أو أنني أرفض التميز، بل على العكس تمامًا، أؤمن أن لكل إنسان جماله الخاص الذي لا يتكرر، ولكن الجمال الحقيقي ليس في المظهر الخارجي الذي يراه الناس، بل في الجوهر الذي لا يظهر إلا لمن يبحث بعينين صافيتين.
أرفض أن أكون مثل الطاووس، ذلك الطائر الذي يبهر الأعين بريشه الملون فيرفع جناحيه ليجعلهما درعًا من غروره. لا يعنيني أن تلهو الأنظار بي، لأنني أدرك تمامًا أن الريش مهما كان زاهيًا فإنه لا يعكس جوهر الطائر. الطاووس يبهر الجميع بلونه، ولكن قلبه لا يعرف سوى الغرور الفارغ. أما أنا، فلا أبحث عن الإعجاب الزائف الذي يأتي من محاكاة الآخرين أو تقليدهم، بل أبحث عن التفرد الذي ينبع من داخل قلبي.
لذلك، لم أكن يومًا من أولئك الذين يعمدون إلى زخرفة كلماتهم أو إخفاء عيوبهم خلف هالة من الادعاء. لم أكن يومًا ممن يرفعون رؤوسهم في اعتداد فارغ أو يتفاخرون بمكانتهم أو علمهم، لأنني على يقين أن من يفعل ذلك هو من يفرغ نفسه من معاني الإنسانية الحقيقية. من يعتقد أن المظاهر هي من تحدد قيمته، قد يجد نفسه في النهاية وحيدًا رغم الجموع التي تحيط به. الناس يمكنهم أن يتأثروا بالأقنعة لبعض الوقت، لكن الأقنعة لا تدوم، ومهما طال الزمن فإن الحقيقة تظل هي الحقيقة. وأنا لا أخشى الاعتراف بضعفي، ولا أرى في ذلك عيبًا. بل أؤمن أن الإنسان الذي يعترف بنقصه هو الإنسان الذي يفتح لنفسه أبواب النمو والوعي الحقيقي.
لقد قابلت الكثير من الأشخاص في حياتي، أولئك الذين يضيعون وقتهم في لعب الأدوار ومحاكاة أشياء ليست لهم. يتكلمون كثيرًا عن أشياء لم يعيشوها، ويتحدثون عن أمور لا يفهمونها. يزينون حديثهم بالكلمات المعقدة ويتفاخرون بمعارف لا يمتلكونها في الواقع، حتى ظنوا أن أحدًا لا يستطيع كشف زيفهم. لكنني تعلمت من الحياة أن الصمت هو أقوى الردود، وأن السكوت أمام الجهل لا يعني أنني أقبل به، بل يعني أنني أرفض الدخول في معركة عبثية مع من لا يسعى إلى الفهم. لا أجادل لأثبت نفسي، ولا أبحث عن انتصار في النقاشات الفارغة، لأنني أعلم أن النقاش مع من لا يريد الفهم لا يؤدي إلا إلى مزيد من الضياع.
أما بالنسبة لي، فقد اخترت أن أسلك الطريق الذي يبعدني عن كل ما هو زائف، وأسعى لأن أكون إنسانًا يتسم بالصدق في القول والفعل. لا أخشى من الناس ولا من آرائهم، لأنني أعلم أن الطريق الذي أختاره لن يسير عليه الجميع، ولن يوافق عليه كل الناس. وربما لا أكون في نظر البعض المثال الذي يجب أن يُحتذى به، وقد لا يعجبني البعض، ولكن ذلك لا يهمني. فالحياة ليست في إرضاء الجميع، بل في أن أكون صادقًا مع نفسي أولًا، وأن أعيش بسلام داخلي بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية أو محاولات التأثير من الآخرين. هذا السلام الداخلي الذي ينبع من الرضا عن النفس والقبول بالحقيقة هو ما أعتبره أعظم كنز يمكن للإنسان أن يمتلكه.
أقول هذا وأنا على يقين أنني لا أحتاج أن أكون مثل الآخرين، لأنني خلقت لكي أكون أنا. ليست هناك حاجة لمقارنة نفسي بأحد، لأن كل شخص هو فريد من نوعه، وكل إنسان له طريقه الخاص في الحياة. قد يختلف مظهري عن مظهر البعض، وقد تكون أفكاري غير متوافقة مع ما يعتقده البعض، ولكنني لا أسعى لتقليد أحد أو لفرض نفسي على أحد. أنا أؤمن بأنني لا أحتاج لأن أكون شيئًا آخر غير ما أنا عليه.
ربما لا أكون طاووسًا ينفش ريشه ليلفت الأنظار، لكنني إنسان يتسم بالتواضع والصدق والاعتزاز الداخلي. لا أحتاج أن أكون محط أنظار الجميع، لأنني ببساطة راضٍ عن نفسي. الحياة قصيرة للغاية لكي نضيعها في محاكاة الآخرين أو في محاولة لارتداء أقنعة لا تعكس حقيقتنا. أنا كما أنا، لا يشبهني الطاووس، ولا تهمني المظاهر الزائفة. ما يعنيني هو أن أكون إنسانًا صادقًا مع نفسه، يعيش في سلام داخلي، بعيدًا عن التقلبات والمظاهر التي لا تضيف شيئًا حقيقيًا إلى الحياة.