الرئيسية محلية “ضوء النجوم لا يدفئك: وهم التعلّق بماضٍ انقضى”

“ضوء النجوم لا يدفئك: وهم التعلّق بماضٍ انقضى”

49
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

نحن البشر نُخلق محمّلين بالحنين، نحمل على أكتافنا أزمنة مضت كأنها جزء منّا لا يرحل. كم منا يعيش اليوم وهو يحدّق في مشاهد من الأمس، وكأنه ينتظر أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه، أن تعود الوجوه، الأصوات، والمشاعر؟ ولكن، كم هي قاسية الحقيقة حين ندرك أننا مثل من ينظر إلى السماء ليلًا، يتأمل نور النجوم، ولا يعلم أن ما يراه الآن ليس سوى انعكاس لشيء مات منذ آلاف أو ملايين السنين.

ضوء النجوم ليس سوى بقايا لحظة سابقة، وصلتنا متأخرة، متجمّدة في الزمن. ومثل ذلك، فإن الكثير من مشاعرنا وذكرياتنا التي نتعلق بها، ليست حقيقة حاضرة، بل أطيافًا مضت، وتركناها وراءنا دون أن نشعر. إننا أحيانًا نرفض الاعتراف بأن ما نتوق إليه لم يعد موجودًا، ونتمسك بالصورة كما نتمسك بنور نجم انطفأ، نعيش وهْم حضوره، في حين أن واقعه قد انتهى.

العاقل لا يعيش في الماضي، ولا يخدع نفسه بذكريات مغلفة بالحنين، بل يراقبها بوعي، كما يراقب الفلكي السماء بعينٍ علمية، مدركًا أن ما يراه هو رسائل من زمن آخر، لا يمكن استعادته، لكنه يمكن فهمه. ليست المشكلة في أن نتذكّر، بل في أن نُقيم في الذكرى، أن نجعل منها موطنًا ونحن لا نملك فيها حياة. التعلق بالماضي يحرمنا من الحاضر، ويغتال المستقبل، لأنه يربط قلوبنا بشيء لم يعد قادرًا على منحنا الدفء، تمامًا كما لا يمكن لضوء نجم ميت أن يدفئنا مهما كان بريقه.

علينا أن نكف عن انتظاره، عن التحديق في سماء مضت، وأن نتعلم أن الحاضر، مهما كان ناقصًا، هو الحقيقة الوحيدة القادرة على التغيير. فلتكن الذكريات دليلًا لا مأوى، ولتكن دروس النجوم تذكيرًا بأن الأجمل أحيانًا قد لا يعود، ولكنه يعلّمنا كيف نصنع جمالًا جديدًا.