الرئيسية مقالات شمسٌ في كفٍّ بشرية

شمسٌ في كفٍّ بشرية

75
0

 

بقلم :أحمد علي بكري

يجيءُ أحيانًا شخصٌ من حيث لا تحتسب،

لا يُطرق بابه، ولا تُمهَّد له الدروب،

يأتيك كأنما هبط من غيمةٍ كانت تراقبك بصمت،

كأنّه أمنية خرجت من صدرك ذات يأس،

وصعدت إلى السماء، فاستُجيبت على هيئة إنسان.

يأتيك حين تذبل الأمنيات في عينيك،

وحين تصبح الأحلام محض ظلال،

وتتحوّل الليالي إلى بئرٍ سحيق من الوحدة،

حين لا يُطرق بابك إلا الألم،

ولا يُسمع صوتك إلا من داخلك،

يجيء هذا الشخص، لا ليُطفئ النيران،

بل ليُريك كيف تُصبح أنت النور.

يجيء وأنت غارق في ظُلم البشر،

مُنهك من صراخٍ داخلي لا يسمعه أحد،

محاط بجدرانٍ باردة لا تردّ الصدى،

يجيء كما يجيء الفجر بعد أطول ليل،

لا يحمل عصًا سحرية، ولا يتكلّم بمعجزات،

لكنه يعرف كيف يجعل من ظُلمك نورًا،

ومن ليلك شمسًا،

ومنكسرَك سندًا،

ومن موتك حياة.

شخصٌ يراك حين لا يراك أحد،

يسمعك بين سطور الصمت،

يفهمك من دون أن تتكلّم،

لا يخاف فوضاك، بل يعانقها،

ويُرمم ما انكسر فيك دون أن يُشعرك بأنك كنت مكسورًا.

هو شخصٌ حين يلمسك لا يُوجع، بل يُشفى بك،

وحين يمشي معك، لا يسبقك ولا يتأخر،

بل يخطو معك على إيقاع روحك،

شخصٌ يحييك بعد موت،

يشعل فيك الحياة بعد انطفاء،

بعد أن أطفأتك ليالٍ قاسية،

وأوجعتك قلوبٌ ما عرفت الرحمة.

هو ليس بالضرورة حبيبًا،

ربما يكون صديقًا، أو غريبًا، أو حتى عابر دعاء،

لكنه حين يدخل حياتك،

يُغيّر تضاريسها،

يعيد ترتيب فصولها،

يجعل من الخريف ربيعًا،

ومن الدموع زرعًا أخضر.

إنه ذلك الذي لا يُشبه سواه،

ذلك الذي، بمجرد حضوره،

تتذكّر كيف كنت جميلًا قبل كل هذا الحزن،

وكيف كنت قويًّا قبل أن تنكسر،

وكيف أنك ما زلت قادرًا على النهوض.

هو لا يمنحك معجزة،

بل يُذكّرك أن المعجزة فيك،

وأنك لست هشًّا كما ظننت،

وأنك حين تُحبّ بصدق، تصبح أقوى.

ذلك الشخص…

هو النور حين يعمّ الظلام،

وهو الشمس حين يطول الليل،

هو الهدية التي تُرسلها السماء دون سابق إنذار.

فاحفظه،

فالشمس لا تشرق مرتين من نفس الجهة،

والمعجزات لا تتكرّر كثيرًا،

وما إن تلمح النور في كفّه،

امضِ معه، ولو إلى آخر العمر.