الرئيسية مقالات “حين يُذبح القلب: الطبيبة آلاء وشهداء الروح التسعة”

“حين يُذبح القلب: الطبيبة آلاء وشهداء الروح التسعة”

88
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

في مشهدٍ تقشعر له الأبدان، وتدمع له عيون السماء قبل البشر، تتجسد المأساة الكبرى في غزة بصورة لا تحتاج لتعليق، بل تكتفي بأن تطرق أبواب الضمير في كل مكان من هذا العالم. دكتورة فلسطينية تُدعى “آلاء”، كانت تؤدي واجبها الإنساني في مستشفى غزة، تعالج المصابين وتضمد جراح الجرحى، دون أن تعلم أن الجرح الأعمق آتٍ إليها — لا في جسدها، بل في قلبها.

في لحظة اختلط فيها الأنين بالصمت، والدمع بالذهول، تفاجأت الطبيبة بجثامين أبنائها التسعة يُحملون إليها بين جرحى المجزرة. لم يكن ذلك مشهدًا من فيلم خيالي ولا كابوسًا عابرًا، بل واقعًا فلسطينيًا يتكرر كل يوم، واقعًا يشهد عليه كل حجر في غزة وكل طفل لم يكمل بعد اسمه الأول.

ما الذي يمكن أن يُقال بعد هذه الصورة؟ ما الذي بقي من الكلام حين ترى أمًّا، لا تزال تضع سماعة الطبيب في أذنيها، تحاول أن تنقذ جريحًا، ثم تُسقط السماعة حين تُنادى لتشهد على أكبر جرح في حياتها؟ جراح الوطن كلها نُثرت أمام عينيها دفعة واحدة: أبناءها، فلذات كبدها، ملائكتها التسعة… شهداء.

هل سمع العالم أنينها؟

هل ارتجف ضمير هذا الكوكب كما ارتجف جسدها المنهك؟

هل ستُسجَّل تلك اللحظة في كتب التاريخ كوصمة عار في جبين الإنسانية؟

ما يجري في غزة تجاوز كل وصف، تخطى حدود المعقول والمعهود. أطفالٌ يُذبحون، أسرٌ تُباد، شوارع تتحول إلى مقابر جماعية، ومستشفيات تنهار على من فيها. وأمام كل هذا، يقف العالم موقف المتفرج، أو ما هو أسوأ… موقف المُبرّر.

صورة الطبيبة آلاء ليست مجرد مشهد عابر، بل مرآة للحقيقة المُرّة، ونقطة مفصلية يجب أن تُوقظ كل ضمير نائم. هي ليست قصة أمٍ فقدت أبناءها فحسب، بل قصة وطن يُذبح وأمة يُختبر صبرها، ووجدان بشري يُمتحن في إنسانيته.

فمن لم تبكِ عيناه لهذه الصورة، فليراجع قلبه. ومن لم يرتجف ضميره، فليسأل نفسه: أفي قلبي حياة؟

غزة لا تطلب منّا سوى أن نكون بشرًا… فقط بشرًا