بقلم: أحمد علي بكري
ما حدث مؤخراً من رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح بزيارة الوفد الوزاري العربي إلى الضفة الغربية، يمثّل محطة جديدة في مسار التعنّت الإسرائيلي الذي لا يُخفي رفضه المطلق لمساعي السلام العادلة، ويؤكد أن خيار العنف والإقصاء لا يزال هو الخيار المفضل لدى حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، رغم الدمار والمآسي التي جرتها الحرب على غزة.
لقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، من العاصمة الأردنية عمّان، أن رفض إسرائيل استقبال الوفد العربي هو انعكاس صارخ لرفضها العمل الدبلوماسي، وتجسيد حقيقي لتطرفها المتزايد، وقالها بوضوح: “واضح أنهم لا يريدون إلا العنف”.
وهذا الموقف ليس جديدًا، بل هو استمرار لمسلسل قديم من إفشال أي مساعٍ دولية أو عربية لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بطرق سلمية. إسرائيل، كما قال الوزير السعودي، تخشى من أي حراك دولي حقيقي قد يقود نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتحاول عرقلة هذه الخطوات بكل ما أوتيت من نفوذ، حتى لو كان الثمن هو نسف كل فرص الاستقرار في المنطقة.
لكن، أمام هذا العناد الإسرائيلي، يبرز الموقف السعودي كصوت عربي صلب وعقلاني، يحرّك الجهود الدولية نحو تحقيق حلم طال انتظاره: دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
إن الموقف السعودي، الراسخ منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، والمتجدد في كل المراحل السياسية اللاحقة، لا يزال يؤكد أن السلام لا يُبنى بالقوة ولا بالتوسع الاستيطاني، بل بالعدل والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق، تأتي استضافة السعودية لمؤتمر دولي مرتقب في نيويورك بالشراكة مع فرنسا، لحشد الدعم الدولي والاعتراف الأوسع بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعكس زخماً سعودياً دبلوماسياً متصاعداً، مدعوماً بثقل سياسي وإسلامي كبير.
أما في الميدان، فالمملكة لم تتوقف عن مد يد العون لأبناء غزة والضفة، ودعم السلطة الفلسطينية سياسيًا وإنسانيًا، في وقت تتزايد فيه الخطوات الإسرائيلية الرامية إلى إضعاف السلطة ونسف مقومات الدولة المنتظرة.
ويبدو أن ما تخشاه إسرائيل اليوم ليس فقط المطالبات الشعبية والدبلوماسية بإنهاء الاحتلال، بل الخوف الحقيقي من تبلور موقف دولي متماسك، تتزعمه دول عربية كبرى كسعودية والأردن ومصر، قادر على كسر جدار الصمت وفرض حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد نحو سلام شامل.
وفي حين يواصل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تحذيراته من التصعيد الإسرائيلي ضد المقدسات في القدس، ويؤكد على ضرورة التحرك الدولي لوقف الحرب، تتلاقى المواقف العربية لتشكّل جبهة دبلوماسية موحدة أمام الانحياز الغربي المعيب والمستمر تجاه إسرائيل، التي تتصرف كدولة فوق القانون.
وختامًا، يمكن القول إن تعنت إسرائيل برفضها زيارة الوفد العربي، ما هو إلا كشف إضافي لحقيقة نواياها، ولكن ما يقابل ذلك من وحدة عربية متصاعدة، وموقف سعودي لا يلين، يبقي الأمل حيًا بأن القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة في ضمير الأمة، ولن تُترك وحيدة مهما طال الظلم واشتد الحصار.
لقد آن الأوان للعالم أن يسمع، لا فقط صرخات الضحايا، بل صوت العقل العربي الذي ينادي بالعدل والسلام، ويرفع لواء القدس عاصمة لدولة فلسطين القادمة، شاء من شاء وأبى من أبى.