الكاتب: الإعلامي / خضران الزهراني
في زحمة الحياة… وسط الركض اللاهث خلف الدنيا، يأتي يوم عرفة كنسمة من الجنة، كنورٍ يخترق ظلمة القلب، كنداء ربّاني يناديك: ارجع… تعال إليّ.
إنه اليوم الذي لا يشبه شيئًا…
اليوم الذي ترتجف فيه القلوب، وتختنق العبرات، وتخرّ الأرواح ساجدة قبل الأجساد…
هو يوم تُغسل فيه القلوب لا بالماء، بل بالدموع… دموع من أدرك أنهم واقفون على بوابة الرحمة، على باب الله.
في عرفة… يتساقط الكِبْر، وتذوب الأقنعة، ويفهم الإنسان أن التوبة ليست ضعفًا، بل بطولة.
تتساوى فيه الرتب والمناصب، وتسقط الألقاب… ويبقى “عبدٌ” يهمس:
يا رب، إن كنت لا أستحق، فرحمتك تستحق.
انظر إلى الحجيج…
مغبرّين، منهكين، لكن أنقى من أي يوم، أنقى من أنفسهم حين جاؤوا!
أعينهم لا تعرف الكبرياء، وقلوبهم لا تهمس إلا: “اغفر لنا، وارحمنا، واعتق رقابنا من النار”.
أما نحن؟
لسنا هناك، لكن قلوبنا ترفرف على صعيد عرفات…
نبكي في صمت، نرفع أكفّنا من غرفنا، من بين دموعنا، من صلوات متعثّرة وذنوب متراكمة…
لكننا نعلم أن الله لا يحتاج المسافة… فقط الصدق.
هل جربت أن تبكي يوم عرفة؟
أن تنفرد بنفسك وتقول له دون تكلف:
“تعبت… عدت إليك.”
في هذا اليوم، السماء مفتوحة، والرحمة منهمرة، والمغفرة تنادي: من يطلبني؟
الله يفاخر بك الملائكة!
أتعلم كم هو عظيم أن تكون ممن يُقال عنهم في السماء:
“انظروا لعبدي… قد غفرتُ له!”
يا رب…
بلّل وجوهنا بالدموع، لا بالخجل.
اغسلنا من ذنوبنا، لا من ماضينا فقط، بل من كل ما خذلناك فيه.
اجعل هذا اليوم نقطة الانطلاق نحوك… اجعلنا ممن يعودون فلا يُطردون أبدًا.
وفي لحظة الغروب، حين تمتد الظلال على عرفات…
ترتجف السماء، وتُسجل الملائكة آخر الأسماء في صحائف العتق…
فلا تجعلنا خارج القائمة، يا كريم.
أغمض عينيك الآن… وقل من أعماقك:
“يا الله… اجعلني ممن دعوتهم فلبوا، وغفرت لهم، وكتبتهم عندك من السعداء.”
في يوم عرفة… تُفتح كل الأبواب.
فقط… اطرق بقلبٍ مكسور، وستُفتح لك أبواب السماء.