بقلم:احمد علي بكري
لطالما كانت تهامة، بسواحلها الممتدة وسهولها الخصبة، حاضنةً لأعرق القبائل العربية وأكثرها عزة وبأسًا. وقد سجل كثير من المؤرخين العرب القدماء شهاداتهم التي تؤكد ما اتصف به أهل تهامة – وخصوصًا تهامة جازان – من كرم وشجاعة وشهامة، فكانت أخبارهم تتناقلها الرواة، وتثبتها الأقلام في بطون الكتب.
1. شهادة “عرام بن الأصبغ السلمي” في كتابه: “أسماء جبال تهامة وسكانها”
في هذا الكتاب الجغرافي القديم الذي يُنسب إلى القرن الثاني الهجري، يقول عرام السلمي واصفًا بعض قبائل تهامة:
“وهم قومٌ لا يُطمع فيهم، سادات في قومهم، يكرمون الضيف، ويمنعون الجار، ويذودون عن حماهم بذمم لا تُخفر، وسيوف لا تُغمد.”
وقد أورد عرام وصفًا لقبائل كـ خُولان وكنانة وزُبيد، الذين كانت مساكنهم تمتد في تهامة اليمن شمالًا وجنوبًا، بما في ذلك مخلاف جازان. وهذا الوصف يُظهر كيف ارتبطت الشجاعة بكرم الأخلاق والنجدة عند أهل تهامة.
2. محمد بن أحمد العقيلي في “تاريخ المخلاف السليماني”
يُعد هذا المؤلف الجازاني من أبرز من وثّق تاريخ تهامة جازان بشكل خاص، ويصف في كتابه “تاريخ المخلاف السليماني” (وهو الاسم التاريخي القديم لجازان) مآثر أهلها في الحروب والضيافة.
يقول العقيلي في إحدى مواضع الكتاب:
“وكان من عادات أهل تهامة ألا يبيت غريبٌ جائعًا في مضاربهم، ولا يذل ضعيفٌ في مرابعهم. وفي الحروب، كانوا يسيرون كالأسود في الغابات، لا يهابون الموت، ولا يقبلون الضيم.”
وقد سجل قصة الشيخ هادي بن قرملة التهامي الذي قاد قومه في وجه الأتراك، وكان من أبرز الأمثلة على النجدة والفداء.
3. ياقوت الحموي في “معجم البلدان”
حينما تحدث الحموي عن تهامة، وصفها بأنها أرض “الحرارة والشدة”، لكنها أنجبت “أقوامًا أقوياء في أبدانهم، عِظامًا في أخلاقهم”. ويذكر في موضع الحديث عن جازان ما نصه:
“جازان من تهامة اليمن، وأهلها من ذوي النجدة والمروءة، وكان لهم ذكرٌ في مقاومة الظلم، وحفظ القوافل من لصوص الصحراء.”
4. ما أورده الهمداني في “صفة جزيرة العرب”
الهمداني، الجغرافي والمؤرخ اليمني في القرن الرابع الهجري، خص تهامة بمساحة واسعة من الوصف، وخاصة المخلافات الجنوبية.
وقد قال:
“وفي تهامة قوم من خولان وزبيد وكندة، يُضرب بهم المثل في كرم الفراسة، وبأس السلاح، ولا يدخل أحد بلادهم إلا آمن، ولا يخرج منها جائع.”
وذكر أن أسواق تهامة، ومن ضمنها سوق بجازان، كانت مقصدًا للقوافل، يُؤمن فيه المسافر ويُكرم فيه الضيف.
5. أمثلة من أخبار العرب
في بعض كتب السير والمغازي، ومنها ما أورد الواقدي وابن هشام، نجد إشارات غير مباشرة إلى شجاعة قبائل تهامية، مثل بني زُبيد وبني كنانة، الذين كان لهم دور في بعض أحداث صدر الإسلام، لا سيما في صد الهجمات على الطرق التجارية.
خاتمة
لم تكن تهامة جازان مجرد منطقة جغرافية على خريطة العرب، بل كانت أرض المروءة والكرم والشهامة. وقد تواترت شهادات المؤرخين على أن أهلها يجمعون بين الشجاعة في الميدان والكرم في المضيف، وبين النخوة في السلم والثبات في الحرب. فتهامة لم تكن صامتة في التاريخ، بل كانت صوتًا يُسمع عبر أفعال رجالها، وسطور كتب المؤرخين القدماء.