الرئيسية محلية بين المُعجب والمُحب… من يسقيك ومن يقطفك؟

بين المُعجب والمُحب… من يسقيك ومن يقطفك؟

87
0

 

بقلم: أحمد علي بكري

في حياة كلٍّ منّا، تمرّ وجوه كثيرة، منها من يُبهرنا لحظة، ومنها من يُحيينا دهراً. والفرق بين المعجب والمحب، ليس فرقًا في الكلمات أو المشاعر الظاهرة، بل في الأفعال التي تترك أثرها في أعماقنا… فالمُعجب يقطف الوردة إعجابًا بلونها، أما المُحب فيسقيها حبًّا بحياتها، يرويها كل يوم ليبقيها حيّة، نضرة، مزهرة.

هكذا هم بعض الأشخاص في حياتنا… منهم من لا يأتي ليأخذ، بل ليعطي. لا ليستهلكنا، بل ليضيف لنا. ولهذا يجب أن نسأل أنفسنا: هل هذا الإنسان يسقيني؟ أم يقطفني؟

متى تعرف أنك مع الشخص الصحيح؟ حين تجد نفسك تُزهر بجانبه…

حين تُدرك أن كل شيء فيك تحسّن منذ حضوره:

ليست المسألة مجرد كلمات جميلة أو هدايا باهظة، بل في الأثر العميق الذي يتركه وجود هذا الشخص على أركان حياتك الأربعة:

1. نفسيتك ترتاح

حين يكون معك، تشعر بالهدوء، لا بالخوف من الخسارة. لا تمشي على قشر البيض خوفًا من الانفجار، بل تمشي مطمئنًّا لأنك تعلم أن هناك من يحتويك.

2. صحتك تتحسن

نعم، الجسد يتأثر بالروح. عندما تكون في بيئة آمنة، مع إنسان صادق لا يُرهقك، تنخفض توتراتك، ويبدأ جسدك يتنفس. النوم، الشهية، الطاقة، كلها مؤشرات.

3. حياتك تتوازن

لا يسرقك من أهلك، ولا يعزلك عن طموحك. هو يُوازن، لا يُقيّد. يُشجعك على النمو، لا على الانغلاق. يشعرك أن علاقتكما ليست قفصًا، بل جناحين.

4. دخلك واستقرارك المادي يتحسن أو على الأقل لا يتدهور

العلاقة الصحيحة لا تستهلكك ماليًّا باسم الحب، ولا تدفعك للاستنزاف دون عائد. بل تُشعرك أنكما شركاء في البناء، لا عبء أحدكما على الآخر.

أما إن كان العكس…

إذا وجدت نفسك تُصبح أقل مما كنت، إذا بدأت روحك تذبل، وعزلتك تزيد، وطاقتك تُستنزف…

إذا صرت تُجبر نفسك على البقاء فقط خوفًا من الوحدة، أو لأنك لا تعرف كيف تبدأ من جديد…

فاعلم أنك مع من يقطفك لا من يسقيك.

فهذا الشخص، وإن بدا في ظاهره مُحبًا، قد يكون مجرد مستهلك:

يستلذ بجمالك النفسي ثم يُثقل روحك.

يتمتّع بقربك ثم يشتكي من وجودك.

يُطالبك بالعطاء ثم يضيق بعتابك.

وستجد نفسك مع الوقت تُسلب، لا تُسقى.

تتحول شيئًا فشيئًا إلى عود يابس… لا أنت حي، ولا أحد يراك.

لذلك، اختر من تحب… ولكن الأهم: اختر من يحبك حقًا.

ليس فقط في الأوقات الجميلة، بل حين تمر بأسوأ نسخك.

من لا يهرب حين تعاتب، ولا يملّ حين تصمت.

من يفهم أن “زَعلك” ليس دراما، بل تعبير عن شدة الاهتمام.

من يُدرك أن “عتابك” ليس هجومًا، بل رغبة في إصلاح ما بينكما.

من يحبك لا يجعلك تُخجل من نفسك، بل يجعلك تفتخر بأنك أنت.

هو الذي ترى نفسك فيه أكثر نقاء، أكثر إشراقًا…

هو الذي لا يقول لك: “أنت صعب”، بل يقول: “أنا أفهم صعوبتك، وسأبقى”.

💡 قاعدة ذهبية:

الحب الحقيقي لا يُشعرك أنك تغيرت… بل يُشعرك أنك عدت إلى نفسك.

في الختام:

بعض العلاقات تكون كالمطر، تُزهر الأرض بعدها.

وبعضها كالريح الجافة… لا تترك خلفها إلا تشققات الروح.

لا تبقَ في علاقة تُستهلك فيها بذريعة “الحب”،

ولا تُضحِّ بنفسك في سبيل من لا يسقيك سوى وهمًا.

إن كان وجود شخص في حياتك يُنبت وردًا في روحك… فتمسّك به.

وإن كان يُسرّق زهرتك… فدع قلبك يُهاجر إلى من يعرف قيمة الحياة فيك.

اختر من يُضيء قلبك، لا من يحرقه.

اختر من يشبه الريّ… لا من يُجيد القطف.

هذا هو الإنسان الذي لا يستهلكك، بل يرويك… الإنسان الذي يُضيء ظلامك لا ليُبهر الناس بك، بل ليُدفئك أنت.

أما إن وجدت نفسك تذبل، وإن لمست بأنك تُستنزف شيئًا فشيئًا، إن شعرت أنك تفقد طاقتك، تفقد ذاتك، تفقد شغفك… فاعلم أنك مع الشخص الخطأ.

ذلك الذي “يقطفك” قد لا يبدو مؤذيًا في البداية، لكنه يقتطع منك بالتدريج. مرة من وقتك، مرة من أعصابك، مرة من صحتك، ومرة من احترامك لذاتك، حتى تصبح في النهاية عودًا يابسًا، بلا ماء ولا حياة، ثم يُلقيك كما تُرمى زهرة ذابلة… بلا وداع، بلا ندم.

اختر من تحب بعناية، وبدقة.

ولا يكفي أن تختار من تحب، بل اختر من يحبك أيضًا.

اختر من يحبك لا حين تكون في أفضل حال، بل حين تتعثر، تتألم، وتتغير.

اختر من يفهم أن “زَعلك” ليس نكدًا، بل حاجة لفهم واحتواء.

اختر من يُدرك أن “عتبك” ليس افتعالًا للمشاكل، بل طلب صادق للوضوح، وقرب، واهتمام.

الإنسان الجيّد ليس ذلك الذي يقول لك كلمات حب، بل ذلك الذي يجعلك تحب نفسك أكثر حين تكون معه… لا يشعرك بالنقص، بل يُرينا جمالنا الحقيقي.

هو الذي لا يسألك “لماذا أنت هكذا؟”

بل يقول: “أنا معك، وسنكون بخير معًا”.

احذر أن تكون الوردة التي تُقطف ثم تُنسى…

وابحث عمّن يسقيك بحُب، لا بمن يسلبك بتعجّل.

فبعض العلاقات حياة… وبعضها استنزاف متنكر في هيئة حب.

والأهم؟

أن تحب نفسك بما يكفي… كي تعرف متى تُزهِر، ومتى تُذبل… ومتى ترحل.