الرئيسية محلية •سمو العلاقات الإنسانية البدايات اتفاق بوفاق والنهايات فراق بأخلاق

•سمو العلاقات الإنسانية البدايات اتفاق بوفاق والنهايات فراق بأخلاق

57
0

 

✍🏻 اللواء محمد فريح الحارثي

العلاقات الإنسانية، على اختلاف أشكالها، هي نسيج المجتمع الذي يحدد مدى ترابطه وتقدمه. ولعلّ من أهم أسس بناء هذه العلاقات، سواء كانت صداقة، شراكة عمل، أو حتى أسمى أنواعها كعلاقة الزواج، هو أن تبدأ باتفاق ووفاق في الاهتمامات، الميول، الآراء، والأفكار. هذا الاتفاق الأولي يمثل حجر الزاوية الذي تبنى عليه الثقة والتفاهم المتبادل، ويوفر أرضية صلبة لتنمية العلاقة وازدهارها.

الاتفاق: أساس متين لكل بداية

عندما تبدأ أي علاقة على أسس واضحة من التوافق، فإن ذلك يقلل من فرص سوء الفهم والصراعات المستقبلية. فالأطراف المعنية تكون على دراية مسبقة بتوقعات بعضها البعض، وتطلعاتها، وقيمها. في الزواج، الذي وصفه الله عز وجل بـ “الميثاق الغليظ”، يكتسب هذا الاتفاق بعدًا أعمق وأكثر قدسية. إنه ليس مجرد توافق على الحياة المشتركة، بل هو تعهد متبادل بالاحترام، التعاون، والتفاني، مبني على أساس من التفاهم المسبق للشخصيات والأهداف المشتركة. فكل علاقة، كبيرة كانت أم صغيرة، تحتاج إلى هذا الشروع الواعي في بدايتها، حيث تتجلى الرغبة المشتركة في بناء شيء ذي قيمة.

 

الأخلاق: نبل النهايات

ولكن ماذا عن نهاية هذه العلاقات؟ هنا تبرز أهمية الأخلاق كعنوان للنبل والسمو. فكما أن البداية تحتاج إلى اتفاق، فإن النهاية تحتاج إلى تسريح بإحسان، كما جاء في القرآن الكريم في سياق الطلاق: “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. هذا المبدأ السامي لا يقتصر على العلاقة الزوجية فحسب، بل يمتد ليشمل كافة أنواع العلاقات الإنسانية. عندما تصل العلاقة إلى طريق مسدود، أو تختلف المسارات، فإن الإنهاء بأخلاق عالية يعكس سمو النفس وطيب المعشر. إنه يجنب الأحقاد والضغائن، ويسمح لكل طرف بالمضي قدمًا دون حمل أعباء الماضي أو جراحه.

نهج الأنبياء: قدوة في الاتفاق والفراق

إن هذا النهج ليس بجديد، بل هو من صميم التعاليم الإلهية ونهج الأنبياء الكرام. ففي قصة الخضر وموسى عليهما السلام، نجد مثالاً حيًا على هذه الحكمة. كان هناك اتفاق مبدئي على الصحبة والصبر، ولكن عندما وقع الخلل في بنود الاتفاق وتكررت اعتراضات موسى عليه السلام، قال الخضر بكل أدب ووعي: “هذا فراق بيني وبينك”. لم يكن هناك شتم او لوم أو عتاب، بل إقرار بالواقع واحترام لاختلاف المسارات. كليوق منهما ذهب إلى حال سبيله محتفظًا بكرامته واحترامه للآخر.

إن تطبيق هذا المفهوم في مجتمعاتنا يعني بناء علاقات أكثر استدامة وصحة. فعندما نُقدم على أي علاقة واعين بأهمية التوافق والاتفاق في بدايتها، ثم نلتزم بالأخلاق العالية والنبل عند نهايتها، فإننا نساهم في بناء مجتمع يقوم على الاحترام المتبادل، والتفاهم، والتقدير. فهذه ليست مجرد قواعد سلوك، بل هي قيم جوهرية تُعلي من شأن الفرد والمجتمع، وتجعل من الفراق، إذا كان لا بد منه، محطةً للنمو والنضج بدلاً من أن يكون مصدرًا للألم والعداوة.