الرئيسية مقالات صمت الليل

صمت الليل

63
0

 

ا/محمد باجعفر

جازان /صدى نيوز إس

في صمت الليل، حين تهدأ الأصوات وتغلق النوافذ على ضجيج العالم، أجد نفسي أمام ذاتي، أمام مرآة لم تكذب يومًا، مرآة تكشف كل جزء مني بلا حياء. هناك، بين طيات الظلام، تنمو الأفكار كأزهار برية في صمت الأرض، أزهار لا تهتم بموافقة أحد على وجودها، بل فقط بالحقيقة التي تحملها في قلبها.

أسترجع وجوهًا، أصواتًا، لحظات عابرة مرّت وكأنها نسيم يلمس وجهي في صمت الصباح، ثم يختفي. أجد نفسي ألتقط تلك اللحظات، أحتفظ بها في زاوية قلبي، كأنها رسائل صغيرة من الحياة تقول لي: لا تبتعد عن نفسك، لا تنسَ من كنت قبل أن يحاول العالم تغييرك.

في داخلي، هناك بحر من المشاعر لا ينضب. أحيانًا يغمرني الفرح كأمواج صافية تنكسر على صخور قلبي، وأحيانًا يأتيني الحزن مثل مطر خفيف يتسرب في كل زاوية، يذكرني بأن الحياة ليست دائمًا كما نريد، لكنها دائمًا كما يجب أن نشعر بها.

الكتابة هنا ليست مجرد كلمات، إنها أنفاس الروح، طرق ملتوية للسير في نفسي دون أن أفقد طريقي، جسور ممتدة بين الألم والفرح، بين الماضي والمستقبل، بين ما أراه وما أشعر به.

أتذكر أنني كنت أحلم بلا حدود، بلا قيود، وأن الحياة حاولت أن تعلمني أن أقلل من أحلامي، أن أخفي براءتي، أن أدفن مشاعري. لكن كل حرف أكتبه الآن يصرخ بالحقيقة، يرفض القيود، يعلن أن البراءة ليست ضعفًا، وأن الصدق مع النفس هو أعظم شجاعة يمكن أن يحملها الإنسان.

وفي كل صباح، حين يطل الضوء من بين ستائر الغيوم، أستشعر إمكانية جديدة، فرصة جديدة لأكون أكثر من مجرد شخص يمشي بين الناس. أكون أنا، بكل طبقات قلبي وأسراري وأحلامي المخفية. كل لحظة تمر هي درس، وكل ألم هو رسالة، وكل فرح هو تذكير بأن الحياة حلوة، حتى لو كانت قصيرة أو مليئة بالتحديات.

أكتب لأجل أن أترك أثرًا، لأجل أن أُحدث فرقًا ولو بسيطًا، لأجل من يبحث عن كلمة صادقة، عن نفس ترى نفسها في نص، عن قلب يشعر بما يشعر به قلبي. الكتابة هنا تصبح رحلة، رحلة بلا نهاية، رحلة تحمل كل ما أنا عليه، وكل ما يمكن أن يكون.

في عمق الليل، حين ينسحب كل ضجيج العالم، أجد نفسي أمام نافذة روحي، أطل منها على نفسي كما لو كنت أرى الكون كله في قطرة ماء. هناك، بين الصمت والظلال، أتعلم أن كل شيء في الحياة رسالة: كل ألم، كل فرح، كل خيبة أمل، وكل لحظة سعادة قصيرة أو طويلة. كل شيء يُساق إليّ ليعلمني كيف أكون، كيف أشعر، كيف أعيش بلا أقنعة.

أحيانًا، أغمض عيني وأتصور أن قلبي هو مدينة صغيرة، كل شارع فيها يحمل ذكرى، كل زقاق يحمل سرًا، وكل نافذة مفتوحة تسمح للنسيم أن يحمل أمانيّ بعيدًا إلى أفق لا أعرفه. أرى نفسي أسير في هذه المدينة، ألتقي بنفسي في كل زاوية، أسمع ضحكاتها، أرى دموعها، أحتضن فرحها، وأتبادل مع آلامها كلمات لم يسمعها أحد سواي.

الكتابة هنا تصبح أكثر من مجرد كلمات، تصبح سفرًا، رحلة إلى أعماق الذات، رحلة لا ينتهي فيها البحث عن الحقيقة، عن الحب، عن السلام الداخلي. أكتب لأني أؤمن أن كل حرف يولد من قلب صادق يحمل براءة الأطفال وحكمة الزمن، أن كل جملة تصنع جسورًا بين الماضي والمستقبل، بين الحلم والواقع، بين ما نراه وما نشعر به.

أحيانًا أشعر بأن الروح هي نهر لا يتوقف عن الجريان، يحمل معه كل شيء: ذكريات، أحلام، آمال، أوجاع. أراقب هذا النهر، أستمع إلى خريره، وأدرك أن كل موجة تمثل لحظة من حياتي، كل قطرة ماء فيها تحمل درسًا، وكل انعكاس على سطحها يذكرني بأن ما أعيشه هو جزء من رحلة أكبر.

وأحيانًا أخرى، أتصور نفسي كنجمة وحيدة في سماء شاسعة، تحاول أن تضيء رغم الظلام، أن تعكس نورها على الأرض، أن تصل إلى من يبحث عن بصيص أمل، عن كلمة صادقة، عن روح تعرف معنى البراءة. كل كتابة هي شعاع صغير من هذه النجمة، وكل نص هو محاولة لإشعال نور داخلي، نور يذكرني أن الحياة ليست مجرد ما نملكه، بل ما نشعر به، وما نتركه في القلوب.

وفي فجر جديد، حين يبتسم الصباح لأول مرة ويغسل السماء بألوانه، أجد نفسي أمام الحقيقة البسيطة والعظيمة في آن واحد: أن الحياة ليست سوى رحلة، رحلة تبدأ منذ أول نفس، وتتواصل مع كل شعور وكل فكر وكل حلم. أرى نفسي كمسافر في عالم واسع، لا أملك خارطة دقيقة، لكني أحمل بوصلة داخلي، نبض قلبي، براءة روحي، وصدق مشاعري.

أحيانًا أقف على حافة ذكرياتي، أراقب الماضي كما يُراقب نهر هادئ، أستشعر كل ضحكة، كل دمعة، كل ألم، وكل فرح. أسمح لنفسي أن أعود إلى تلك اللحظات، ليس لتغييرها، بل لأفهمها، لأحتضنها، لأتعلم منها. فالذكريات ليست سجلات للماضي فقط، بل جسر إلى المستقبل، خيط رفيع يصل بين ما كنا عليه وما يمكن أن نكونه، بين ما فقدناه وما نطمح إليه.

الكتابة هنا تصبح لغة الروح، ليس مجرد أحرف على ورق، بل صوت داخلي يصرخ بالصدق، يعلن البراءة، يفتح النوافذ المغلقة في القلب. أكتب لأني أريد أن أرى نفسي واضحة أمامي، لأني أريد أن أترك أثرًا لمن يبحث عن كلمات تحمل ضوءًا صغيرًا في زمن مليء بالظلال، لأني أؤمن أن كل نص صادق هو رسالة أمل للحياة، رسالة تقول: كن حاضرًا، كن صادقًا، لا تخف من مشاعرك.

وأحيانًا، أتصور نفسي كبحر هادر، يحمل كل شيء: ذكريات، أحلام، آمال، آلام، أفراح، خيبات، نجاحات، إخفاقات. كل موجة فيه تحمل درسًا، وكل تيار يذكرني بأن الحياة ليست ثابتة، وأن كل تجربة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، هي جزء من رحلتنا، جزء من نسيج ذواتنا، جزء من جمال وجودنا.

الحب، في هذا البحر، هو الضوء الذي يرشده، هو النجمة التي تلمع رغم الظلام، هو القوة الخفية التي تمنح القلب القدرة على الاستمرار، على الشعور، على الحلم. الحب هنا ليس مجرد شعور، بل هو معرفة، هو فهم، هو استعداد للتضحية، هو احتضان الحياة بكل ما فيها من ألم وفرح، من فقدان واكتشاف.

وفي هذا النص، أجد نفسي أحتفل بالبراءة، بالصدق، بالوعي، بالحب، بالحياة. أرى أن القوة الحقيقية ليست في السيطرة على العالم، بل في فهم النفس، في قبول كل جزء منا، في مواجهة كل تجربة بكل قلب صادق وروح نقيّة. كل كلمة أكتبها هي شهادة على أنني كنت هنا، شعرت، أحببت، تألمت، حلمت، وعشت بكل ما في قلبي من ضوء وظلال.

وفي النهاية، حين يغلق الليل فصوله مرة أخرى، أغمض عيني وأدرك أن الرحلة مستمرة، وأنني جزء من كل شيء وكل شيء جزء مني، وأن الحياة ليست ما نملكه، بل ما نتركه في القلوب، ما نشعر به بصدق، وما نزرعه من ضوء في روح من يستمع إليها. وهكذا، تبقى الكلمات حية، الروح صافية، القلب قويًا، والبراءة شعلة لا تنطفئ، تضيء لنا الطريق دائمًا، مهما حاول العالم أن يخفيها.

بقلم /محمدباجعفر