الرئيسية الأدب والشعر الأماكن التي تسكننا

الأماكن التي تسكننا

20
0

 

فايل مطعنى

رحلتُ بتفكيري بين تلك الحارات،

وتلك الجدران الصامتة، الصامدة على مرّ السنين…

أزقّةٌ وممرّاتٌ ضيّقة،

يتناثر الغبار من زواياها،

وكلُّ ذرّةٍ من ذلك الغبار تحكي قصة،

تركت فينا عبرةً لم ننساها.

نوافذٌ متهالكة تكاد تسقط،

لكنّها في الوقت نفسه صامدة،

نسمع من بين ثغراتها ألحانًا

لم نسمعها من قبل،

لا تُعزَف… بل تُستعاد ذكرى.

حكاياتٌ نُسجت من تشقّقات تلك الجدران،

لم تعد الجدران جدرانًا،

بل دفاتر قديمة

احتوت حكايات لا تُنسى.

كلُّ تشقّقٍ فيها سطر،

يروي ماضيًا لا نهاية له،

بقي ذكرى.

وكلُّ تغيّرٍ حكاية

لم تُروَ كاملة…

ولا زلنا نمشي

بين جدران ذلك الزمان،

بين زوايا حكم عليها الزمن بالصمود

لتروي رواياتٍ سكنت داخلنا.

هنا، حيث يكون التهالك سيّد المكان،

يولد معنى آخر للحياة:

أنّ الأشياء حين تُنهَك

لا تنكسر،

بل تتجدّد

كلّ حين.

الخطوات ما زالت تمضي،

متثاقلة،

تهمس بين حينٍ وآخر:

أين كانوا؟

وكيف صاروا؟

فقد أصبح لكلّ شيء معنى،

لأنّ بعض الأشياء

لا تُعرَف بنهايتها المادية،

بل بما تتركه من أثر،

وصوت،

ومعنى.

هنا نقف على ضفاف تلك البيوت،

حيث الجدران تحفظ أسماءنا،

والنوافذ تلوّح لخطانا القديمة.

نصغي لصوت الوقت

وهو يُهَجّئ الحنين،

فنبتسم…

لأنّ بعض الطرق

لا تغادر القلب،

وإن غادرناها.

والذكرى،

مهما مرّ عليها الزمان،

لا تزال بداخلنا.

سامية النبهاني