قدم الفنان مصطفى الصباغ من خلال ورشة فنون العرائس التابعة لقطاع صندوق التنمية الثقافية ضمن برنامجه الفنى والثقافى بمركز ابداع بيت السحيمى، دراما تعريفية لفن خيال الظل فى لغة درامية عبر صور ومشاهد تمثيلية بمشاركة المتدربين، تروى وتكشف عن اسرار وجوهر مفهوم فن خيال الظل، حيث يُقدم تعريفا يقول: من خلف ستار بيضاء من القماش القطنى المشدود على هيكل خشبى، وضوء ينفذ من بين ثنايا أنسجتها وطبقاتها الرقراقة، تظهر دمى أو عرائس او شخوص خيال الظل ” للناظرين، فى صورة مغايرة تماما عن الظل التقليدي القاتم الرمادى” الأسود”، بل زاهية وملونة أقرب وأشبه لطبيعة ما تصور وتعبر عنه، انسانا، حيوانا، نباتا، وأشياء.
تلك الخصيصة ” الشفافية ” لدمى هذا الفن ومادة صنعه الجلود، تتشرب الضوء بحيث تبدوا عروسة خيال الظل كالبللورة تتلألأ وتضاء، ومن ثم تخترق بدورها الحائل الشاف أيضا أى الشاشة ” الستار”، مما يجعل من المشهد گ طيفٌ يُرى أو خيال.
ويُتبع مستنتجا فى تحليله البحثى: “ان هذه المشهدية الناتجة من معادلة تفاعل الضوء، والعرائس، ووسيط العرض الشاشة “الستار”، تفسر ما ورد من تعدد مسميات هذا الفن مرتكزاً بشكل رئيسى على لفظة الخيال لا الظل لتأكيد دلالة الصورة الغير تقليدية المبتكرة او المكتشفة، حيث تسمى ب ( خيال الظل، ظل الخيال، الخيال، طيف الخيال، شخوص الخيال، خيال الستار، ذى الخيال )
وينتقل الصباغ للتدليل على ثراء فن خيال الظل وزخم تفسيرات المصطلح الى تاريخ النشأة:
يقول: جدل واسع أثير بين الدارسين والباحثين يمثل ناتجا مضافا لثراء هذا الفن والذى لم يتوقف حول الصياغة اللغوية للمصطلح، انما أيضا وحول نشأته العريقة المتأصلة بالثقافة العربية – المصرية على وجه الخصوص- كأحد الأشكال المسرحية التى تبرهن على وجود المسرح بالجغرافيا العربية قبل الاحتكاك ومحاكاة المسرح الأوروبي والمعروف بمسرح العلبة الإيطالي ق ١٦،
حيث تقف الدراسات فى محاولة تأريخ خيال الظل على أقدم إشارتين له تاريخيا، فيما أفادت دراسة فاطمة إشراقى ” اشكالية مصطلح خيال الظل” ان العرب قد عرفوا هذا المسرح منذ القرن الثانى الهجرى وكانوا يطلقون عليه ” الخيال” مستندة لوثيقة أدبية عبارة عن قطعة شعرية لأبو نواس الأهوازى وتقول” كأنما لاعب الخيال إذا … أظلم يلهى بنغمه الزير ” – والزير يعنى إيقاع طبول تراثي –
، بينما سموئيل موريه، يشير ان أقدم إشارة إلى خيال الظل العربى تنحدر إلى القرن الخامس الهجرى، مستندا لما جاء فى كتاب المناظر لابن الهيثم، ليبين أوهام البصر، حيث يقول” وايضا فإن البصر اذا أدرك الخيال الذى يظهر من خلف الإزار، وكان الخيال أشخاصا يحركها المخيل فتظهر أظلالها على الجدار الذى من وراء الإزار وعلى الإزار نفسه .. لو رفع الإزار.. بين البصر وبين تلك الأظلال لأدرك البصر تلك الأظلال أظلالا ولم يظنها اشخاصا ولا حيوانات ” – والإزار تعنى الملحفة ثوب ترتديه المرأة-، ويقصد ” الستار او الشاشة”،
ويضيف لثراء فن خيال الظل عددا من الدلالات الفلسفية من خلال أبرز الأقوال التاريخية حول فن خيال الظل، حيث يقول: امتد ثراء تناول خيال الظل ليشمل دلالاته الفلسفية والتى تعد ومضات أيقونية عبر تاريخ هذا الفن، من أبرزها بيتان من الشعر فى خيال الظل فى كتاب “سلك الدرر” نسبهما إلى الإمام الشافعى يقول:
“رأيتُ خيال الظل عبرة .. لمن هو في علم الحقيقة راق
شُخُوصُُ وأَشباحُُ تمرُّ وتنقَضي .. وتَفْنَى جَميعًا والمُحَرِّك باقي ”
، ويقول فى مديح مخايل:”مَخايلٌ قَد بدت عليه ..مُخايل البدر فى الكمالِ
تُريكَ بَابَاتُه فنونًا .. تروقُ فى الحُسنِ والجمالِ ”
ويرد عن ابن سودون الشبغاوى حيث يشبه الدهر وعدم خلوده:
“فالدهر ليس بدائم فى حاله ..إذ شبهوه خيال ظل خُيِّلا ”
ويرد شعرا عن ابن عربى ”
ما فى الوجود شىٌ
سدىً فيُهْمَلُ
بل كُلُهُ اعْتِبار
إن كُنْتَ تَعْقِلُ
ستارة الغيوب
قامت لتسألوا
من فوقها شخوص
تعلو وتسفل
ولا تقل خيال
ماذاك يجمل
ما لعبة تراها
إلا تؤول
ويبدوا فى عيان
وقتا ويأفل
وكلنا خيال
وهو المخيل ”
ويرد ان الملك الناصر صلاح الدين سأل القاضى الفاضل فتوى فى خيال الظل، فلما انقضى القاضى من المشاهدة، سأله الملك الناصر كيف رأيت ذلك؟ فقال: “رأيت موعظة عظيمة؛ رأيت دولاً تمضى ودولاً تأتى، ولما طوى الإزار طىَّ السجل للكتب اذا المحرك واحدٌ ”
والجدير بالذكر ان ورشة تعاليم فنون العرائس وخيال الظل التخصصية والتى يشرف عليها ويقدمها الصباغ، تقدم بشكل دورى اسبوعيا يوم الجمعة بمركز ابداع بيت السحيمى، وتهدف تهيئة بيئة محفزة ومشجعة لنمو الأطفال وتطويرهم، وابتكار نماذج عرائسية تضيف لسينوغرافيا العرض المسرحى العرائسى، كما ويعقبها مجانا ايضا للجمهور عرض لفرقة ومضة لعروض خيال الظل والاراجوز لمؤسسها الفنان الدكتور نبيل بهجت وتضم الفنانين، العم صابر شيكو، على ابو زيد، محمود سيد، صلاح بهجت، ومصطفى الصباغ.







